يوسف المحيميد
ليلة الخميس الماضي، احتفل الأوفياء الثلاثة، عبدالله الناصر، وحمد القاضي، وإبراهيم التركي، بالشيخ الفقيه والأديب أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، الذي تفنن وأبدع في كل شيء، الطرافة في شذرات مهمة من حياته، قصائده، عشقه للجمال، وحتى ترانيمه بقصائده النبطية، فهو وأضح كالبلور، يحكي كيف وقع في عشق جمال امرأة في خب الصلب بحائل، يصفها بدقة، ويحكي ببساطة وبعامية لا تخلو من الطرافة، والسخرية أحيانًا من نفسه، يبسِّط فلسفة الجمال حسب رؤيته، ويهزأ بمن ربط المنطق بالتزندق، فهذا الرجل الثمانيني لا يكف عن السخرية بكل شيء، حتى النسيان يسخر منه، ومن ذاكرته التي شاخت، إلى حد نسيان اسم حفيده، والتباس ذلك مع اسم السائق المنزلي!
هذا الرجل الذي لا يتردد في قول ما يريد، ولا يخجل من التراجع عن فكرة، كان مأخوذاً بالفنانة نجاة الصغيرة، وبالشاعرة عاتكة الخزرجي، كتب لهما وفيهما، وهو من طائفة الأدباء الفقهاء، متنوع الثقافة، ولا يكف عن الدخول في المناقشات والحوارات والمعارك الأدبية، ويعتذر حين يتطلب الأمر ذلك، أو حين يقتنع بمخالفته للصواب، ومع كل ذلك هو حكَّاء لافت ومميز، لا يكاد ينتهي من حكاية حتى يدلف بسلاسة لما بعدها!
ولعل المميز في ليلة الوفاء تلك، أن عرضت قناة الثقافية، ممثلة بالزميل عبدالعزيز العيد، تسجيل حلقات من ذكريات الشيخ، وهي إن أنجزت ومن غير تدخل رقابي في حكاياته، ستكون مثيرة ومشوقة، يمكن أن تعرض جزءًا من تاريخ هذه البلاد وذاكرتها، خاصة خلال حقبة السبعينات والثمانينات، منذ أن كان الشيخ مراقبًا على الأفلام العربية في التلفزيون السعودي، وحتى آخر أسراره وحكاياته مع الآخرين على كافة المستويات!
إن مثل هذه الليالي، التي ينظمها ثلاثي الوفاء، الناصر والقاضي والتركي، تفوق في حضورها وتنظيمها ما تعقده الصالونات الأدبية، بل تتميز عنها كثيرًا في حجم الحضور الكبير، والأسلوب الجميل والسلس الذي تُدار به، والبساطة في حوارها ونقاشها، فهي مثيرة وجاذبة للحضور، ومدهشة للضيف المكرم، لأنها ببساطة لا تُنظم بحثاً عن الاستعراض والمظاهر، وإنما هي صادرة من القلب إلى القلب، من ثلاثة قلوب بيضاء صافية يحملها هؤلاء النبلاء، إلى ضيف يختارونه بعناية ووعي، ويقدمون له بياضهم ومحبتهم الصادقة، في ليلة يهرول فيها المدعوون بحب، فشكرًا لهم هذا الوفاء في زمن عزّ فيه الوفاء والتواصل.