حمّاد السالمي
أن تصاب بالدهشة لا يكفي. مؤكد أنك سوف تستغرق في ضحك كالبكاء؛ إذا قيل لك إن شابًا سعوديًا صدر ضده حكم شرعي في جزائية الرياض بسبب تأييده لـ (دولة الخرافة الإسلامية)، وإبداء إعجابه بشخصية زعيمها المدعو (أبو بكر البغدادي)..!.. نعم.. معجب بـ (البغدادي)..!
في حالة كهذه؛ يبرز سؤال مشروع هو: أين العقل الذي يفترض أنه يسكن جمجمة هذا الكائن الغريب العجيب..؟!
الإعجاب من شخص لشخص آخر؛ عادة ما يكون لصفات إنسانية إيجابية فيه. لخيريّته مثلاً؛ ولصدقه وأمانته وإبداعاته ومنجزاته ومساعدته للآخرين، ولما يضيفه للحضارة الإنسانية لا ما يسلبه منها. أما أن يأتي هذا الإعجاب من شخص لآخر لأنه يقتل ويسفك الدماء؛ ويدمر الحضارة البشرية، ويتلذذ باغتصاب النساء، ويستمتع بمناظر أشلاء القتلى من حوله، فهذا إعجاب من مختل عقليًا لمجنون مثله ليس إلا.
كل يوم نقف على عجائب جديدة وغرائب فريدة؛ تصدر عن كائنات تمشي على الأرض، تلبس ثياب البشر، وتأكل من أكلهم، وتتحدث بلغتهم، وهي أقرب الكائنات إلى القبور، وأدناها إلى ما بعد الحياة الدنيا. عناصر داعش والقاعدة؛ وبقية الجماعات الإرهابية التي تحمل السلاح وتقتل الناس بدم بارد؛ هي من هذه الكائنات التي نراها تسير في ثياب حالكة السواد، فنظن أنها حية، وهي ميتة لا حياة فيها.
عملية القتل الممنهج الذي تنفذه عناصر القاعدة وداعش وبقية المنظمات الإرهابية في الإقليم العربي ضد المواطنين العرب؛ وضد دولهم القطرية في بلدانهم، إنما تنفذ أجندة صفوية منذ أيام الهالك (أسامة بن لادن)، وبتوجيه وإدارة مخابراتية دُولية شرقية وغربية.
إيران الصفوية لم تعرف ولا عملية إرهابية واحدة من عناصر القاعدة وداعش، وإسرائيل التي تتماس معها داعش والنصرة في الشام، تتفرج على الدماء التي تلطخ جوارها العربي من الشمال على الأرض السورية، ولو أن إسرائيل هي التي تنفذ العدوان على سورية؛ لما بلغت القسوة من جنودها- ربما- ما بلغه العرب بالعرب في أرض الشام والعراق..! عناصر إرهابية ليسوا أكثر من دمى متحجرة فكريًا، ينفذون مخططات صفوية إيرانية، ويحققون مطامع إسرائيلية ودولية، بدعوى الجهاد ضد الكفرة والمشركين من العرب بأيدي إخوانهم العرب لا غير.
عجيبة أخرى تُضحك الثكالى كما يقال في الأمثال. هذه المرة جاءت من قبل الإرهابي (أيمن الظواهر)، زعيم منظمة القاعدة الإرهابية، ووريث الإرهابي الهالك (أسامة بن لادن). الظواهري أراد أن يقول نحن هنا؛ حتى لا تنسونا من دعائكم ودعمكم وأموالكم يا أيها الموالون من المغفلين في وطننا العربي الكبير، ويا أيها الأصدقاء في طهران وعواصم الشر في هذا العالم، ويا كل أولئك المستفيدين من خدماتنا الجليلة، التي نقدمها لكم في القاعدة منذ أكثر من ثلاثين سنة!!.
الظواهري شعر أن نهاية البغدادي وجيشه الأسود قد قربت، وأن جماعة النصرة التي تمثله في الشام هي الأخرى إلى زوال، فتعامى عن كون داعش خرجت من رحم قاعدته بداية، وأن البغدادي هو الآخر صورة منه ومن أستاذه الإرهابي أسامة بن لادن، فراح يصف هذا المنافس الهالك عن قريب بالكذب والزور. جاء ذلك في كلمة صوتية له قبل عدة أيام.
إن العقلاء يعرفون جيدًا المغزى من هذا الهجوم، ويعرفون الرطانة بين زعيمين لمنظمتين إرهابيتين من طينة واحدة وفكر واحد. الظواهري والبغدادي بينهما مشترك مهم هو الإرهاب وسفك الدماء، ولا يفرقهما سوى الحلول وملء الفراغ. بمعنى: إذا هلك البغدادي وهلك جيشه الأسود، فإن الظواهري وقاعدته الإرهابية تحت الطلب لمن يخطط ويدفع، ولمن يسهم في تسهيل القتل والتفجير والتخريب في أي بقعة عربية سنية أو شيعية؛ بشرط أن تكون خارج حدود إيران، وبعيدة عن حدود إسرائيل..!
إن النصر على داعش في العراق والشام قريب لا محالة، والنصرة التي يعتقد الظواهري أنها مخلبه وموطئ قدمه بعد زوال داعش في الشام والعراق؛ هي الأخرى زائلة، والعرب لن يهنأ لهم بال حتى يلحقوا القاعدة بداعش في مقبل الأيام.
ما أشبه هذا البغدادي التعيس في العراق، بذاك الظواهري النحيس في جبال تورا بورا.. هما زعيط ومعيط هذا العصر، الذين سوف يدخلان تاريخ العالم من بوابته المظلمة. زعيط ومعيط زمان؛ لهما أكثر من قصة تصلح للتمثيل اليوم، وهي تختلف من مكان لمكان ومن مجتمع لآخر. النسخة القريبة لنا في حالة الظواهري والبغدادي؛ هي صحبة بين زعيط الأعمى، ومعيط الكسيح. الشقيان كانا من قبيلة بدويه تمتهن الترحال بحثا عن المراعي. وكانا يمثلان حملاً ثقيلاً على أهليهما. في يوم من الأيام؛ قرر أهلوهما الرحيل وهما نيام، وتركاهما بالمكان ليواجها مصيرهما معاً، وعندما استيقظا في الصباح؛ وجدا أن الجميع غادروا ولم يبق أحد، عندها بدءا يناقشان وضعهما، فقررا اللحاق بأهليهما، ولكن كيف وهما في مثل هذا الوضع من العمى والكساح..؟! فزعيط أعمى لا يرى، ومعيط كسيح لا يمشي. فكرا في طريقة للحل، فاهتديا إلى حل عبقري للحاق، وكان أن يقوم زعيط بحمل معيط على ظهره والسير به، أما مهمة معيط فهي أن يقوم بإرشاد زعيط على الطريق، فهو الآن يقوم مقام العينين له، وهكذا استمرا بالسير معاً كل منهما يكمل الآخر. هل أدركا القوم يا ترى..؟ القصة تتوقف عند الحمل والسير في التيه الذي لا نهاية له. وزعيم القاعدة ونظيره زعيم داعش؛ هما أعمى يحمل كسيحًا لا أبا لهما..! حتى لو ظهر أنه يتهمه بالكذب والزور؛ فهما وجهان لعملة واحدة اسمها الإرهاب، ومصيرهما مفرمة الجيوش العربية الوطنية، ومزبلة التاريخ التي سبقهما إليها ابن لادن وغيره من القتلة ومصاصي الدماء.