د.مساعد بن عبدالله النوح
غريب حال بعض البشر، ينعت إنسانًا أو مجتمعًا حينًا بشيء مؤلم، ثم ينقلب عليه ويلصق به كل شيء جميل. ويستطيع أن يسخر إمكاناته لخدمة أغراضه ناسيًا أو متناسيًا جهودًا سابقة مشرفة له، مع أن الإنسان نفسه أو المجتمع ذاته لم يتغير. هذه الحال تنطبق على بلادي، نسبت دول ووسائل إعلامها وكتاب مشاهير بأنها ترعى صناعة الإرهاب من خلال مناهجها ومعلميها ودعاتها وجمعياتها، وتعمل على نشره.
إذا رأوا صدق المواطن في دفاعه عن وطنه، قيادته، حكومته، شعبه، مقدراته، قالوا عنه: إنه شجاع ومحب له. ونسوا أن هذا المواطن ما قام بهذا العمل إلا أنه يراه من أوجب واجباته، وأنه لا ينتظر جزاء من أحد. فأرض الوطن ونساءه وأطفاله وشيوخه ومقدراته وماضيه وحاضره ومستقبله كلها أمانة في عنقه. وهذه حال كل مواطن. وهو نموذج يجسد الكل. وليس هذا أنه لا يجد من يشيد بما قدم، فالجمهور المستهدف فيه يدعو الله له ويثني إنجازه.
وإذا رأوا إقبال المجتمع على مواطنيه على مختلف طوائفه من شماله إلى جنوبه ومن غربه إلى شرقه ومرورًا بوسطه، قالوا: لا مثيل له معهم. ونسوا أن الإصلاحات الهيكلية التي تمس بنية المجتمع، أو تتعلق برفاهية مواطنيه أو أمنه وكرامته كلها لهم ولأبنائهم على مر الزمن.
لقد اكتوت بلادي كثيرًا بالأعمال العبثية التي يتسبب فيها الإرهابيون سواء أكانوا من أبنائها أو من الوافدين الذين لا يفرقون بين صغير وكبير ولا رجل وامرأة وبريء ومذنب، فدفعت - وما زالت- الكثير من مقدراتها البشرية والمالية والمادية؛ لمواجهتهم والحد من تأثيرهم دون ملل أو يأس.
كما آلمها وصف عدد من رموز مجتمعات منتشرة على الخريطة السياسية من سياسيين وإعلاميين ومنظمات وهيئات دولية وتشريعات قانونية بأنها ترعى الإرهاب وهي التي تقدم رجالاتها لمواجهة خطره، وتؤيد كل الجهود الإقليمية والدولية ماليًا ولوجستيًا التي تستهدف القضاء عليه.
ومما يثير الاستغراب من تصرفات وسائل إعلامنا هو لهفتها للأخبار التي تنشرها بعض المواقع الإلكترونية والإعلامية المشهورة ولا سيما الدولية عن صدق ولاء المواطن السعودي، حيث نشر موقع صحيفة المرصد بتاريخ 9 يناير 2017 عنوانًا لصحيفة ديلي ميل البريطانية يتضمن وصفًا للمواطن جبران عواجي في بطولة شرطي سعودي قتل بمسدسه إرهابيين مدججين بالرشاشات والأحزمة الناسفة.
وقد يحمل هذا الخبر معنيين، الأول، الاستغراب في إقدام المواطن السعودي للخطر دون خوف ووجهًا لوجه، لكن هذا الاستغراب قد يقل تأثيره إذا تذكرنا أن الإنسان الغربي على اختلاف موطنه تعوَد على الخروج للعلن والتطاول على رموزه بتصرفات لفظية وعملية، والثاني، الإشادة وهو الظاهر، سلاح صغير وهو المسدس مقابل أسلحة كبيرة وهي الرشاش والأحزمة الناسفة، وهذه الإشادة لا ينتظرها السعودي؛ لأنه مواطن مقدام والسعوديون كلهم على قلب رجل واحد في انتمائهم وولائهم لوطنهم ورموزه السياسية والأمنية والدينية والاجتماعية.
كلهم ينفذون وصية رجال الأمن الأول سمو الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية -رحمه الله-، إِذ قال: «.....أقولها بكل صراحة نحن مستهدفون في عقيدتنا، نحن مستهدفون في وطننا، أقولها بكل صراحة لعلمائنا الأجلاء، ولطلبة علمنا، ولدعاتنا، ولأمرنا بالمعروف والنهي عن المنكر، ولخطباء المساجد، دافعوا عن دينكم قبل كل شيء، دافعوا عن وطنكم، دافعوا عن أبنائكم، دافعوا عن الأجيال القادمة، يجب أن نرى عملاً إيجابيًا، ونستعمل كل وسائل العصر الحديثة؛ لخدمة الإسلام، ونقول الحق، ولا تأخذنا بالحق لومة لائم، فلنستعمل قنوات التلفزيونية والإنترنت، وأنتم كل وقت تقرؤون وترون ما فيها».
وفي فيديو آخر لسموه -رحمه الله- قال عن إقدام العسكري السعودي» أقسم بالله أني لم أجد في يوم واحد أصيب واحد من وراء الخلف، إصاباتهم دائمًا في الوجه والصدر؛ لأنهم يقدمون ولا يهربون». مثل هذه النصائح والتوجيهات هي التي يجب أن يتناقلها المجتمع وباستمرار. ويجعلها شعارات في مواقع مختلفة؛ لأنها صادرة من مواطن ورمز أمني كبير.
هذا على المستوى الميداني، أما على المستوى الأكاديمي فإنه توجد جهود علمية حثيثة عن التربية الوطنية، إِذ نظمت مؤسسات وهيئات وطنية عن الأمن الفكري وقيم المواطنة، كما توجد كتابات على هيئة كتب وبحوث علمية ورسائل جامعية وأوراق عمل وملخصات عن التربية الوطنية، ترصد كل القيم التي يجب غرسها لدى أجيال الوطن وتنميتها؛ ليتربوا عليها وتصبح ملازمة لهم في كل ظرف. كما لا تخلو اللقاءات الخاصة العائلية وغيرها عن الدعوة إلى الصدق في الانتماء والولاء الوطني.
حفظ الله بلادنا وجنودنا البواسل وألبسهم الصحة ومنحهم العزيمة والإخلاص، وحفظ شبابنا من مروجي الفكر الضال، ورزقهم الصحبة الحسنة التي تدلهم على كل دروب الفضيلة، وأعان ذوي الإرهابيين في مصابهم وفي احتواء أبنائهم الذين تحت أيديهم.. آمين..