عمر إبراهيم الرشيد
من أعظم السجايا مقابلة الإساءة بالإحسان أو بالصمت والكف عن الرد والانتقام، سجية نعتقد أو نظن أن امتلاكها أمر يسير بينما هي لا تتأتى إلا لأصحاب الثراء النفسي والخلقي، وأدب العقل وسمو التفكير. استحضرت ذلك وأنا أشاهد وأتابع مسيرة رئيس اتحاد كرة القدم السعودي الدكتور أحمد عيد، فعجبت من كم الهجوم على شخصه أحيانا وعلى الاتحاد الذي يرأسه فيكون الهجوم تلميحا أحيانا أخرى. نعرف جميعا أن أحمد عيد هو أول رئيس للاتحاد بالانتخاب، وقد أتى إلى مجال عاصف إن لم نقل أرض مليئة بالألغام، بين انتماءات وتجاذبات وتعصب ومصالح ضيقة، عدا عن أن هذا المجال وهو كرة القدم تحديدا يفتقر إلى الحس الإداري الرياضي بمعناه الاحترافي والحضاري، إلا من أمثلة هنا وهناك حتى لانعمم وتجرفنا السوداوية والتشاؤم، فلدينا أمثلة مشرقة نحتاج إلى غلبتها وانتشارها. ما أن بدأ هذا الرجل العمل حتى واجه هجوما على شخصه قبل عمله، ثم توالى بعد ذلك تصيد الأخطاء والبناء عليها لمعاودة الهجوم وهكذا دواليك، مع إغفال الإنجازات والإيجابيات والنظر إلى النصف الفارغ من الكأس. ما أكبرته في شخص أحمد عيد هو ذلك الصمت والاكتفاء بمواصلة العمل بهدوء ورزانة، كمثل النخلة تتمايل مع الريح لكنها عميقة الجذور ثابتة الأصل شامخة، وللحق كم نحن بحاجة إلى مثل هذه الشخصية ليس في المجال الرياضي فحسب، وإنما في كل الميادين، على أن الإنسان عموما بحاجة إلى امتلاك مثل هذه السجايا في مسيرة حياته.
لست في موقف تملق حين أكتب مقالا صغيرا في حق رجل خدم وطنه، وتعامل بالمعنى الحرفي للروح الرياضية، وهو اللاعب الدولي السابق، مع خصومه أو مشاكسيه وحساده، لأن الرجل أتم مهمته وترجل عن منصبه لخلفه فليس هناك شبهة مصلحة لي في ذلك، لكنها كلمة حق في رجل فرض احترامه . ألا تكفي تلك الدموع التي ذرفها متأثرا بعد فوز منتخب المملكة الكروي وتأهله إلى المرحلة الثانية لتصفيات كأس العالم 2018، واحتفاء اللاعبين به وتأثرهم كذلك. سطحيو التفكير يظنون صمته وعدم رده ضعفا، لكن بعيدي النظر وعميقي التفكير يدركون أن ذلك قوة وصلابة إرادة وسمو روح، شكرًا أحمد عيد.