د. أحمد الفراج
نختم السرد عن ملابسات غزو العراق واحتلاله، في عام 2003، فقد استعرضنا شهادة ضابط السي إي آي، جون نيكسون، وتساءلنا عن مدى دقتها، ثم طرحنا بعض الأسئلة الملحّة، عن ظروف ترشُّح بوش الابن للرئاسة، وفوزه، وبالتالي صعود المحافظين الجدد للسلطة (تشيني ورامسفيلد)، ووراءهم العقول التي لا ترى بالعين المجرّدة إلاّ لماماً، مثل بول وولفوتز، وأمير الظلام ريتشارد بيرل، وهي المرحلة التي لخصها المخرج الساخر مايكل مور بالقول: «كان بوش الابن ينام باكراً، ويسهر نائبه، والعقل المدبر لإدارته، ديك تشيني، في الدور السفلي للبيت الأبيض، يخطط لأفضل الطرق لتدمير العالم!!»، ولم يكن المحافظون الجدد بحاجة لمن ينصحهم، فقد كانت خططهم جاهزة، وعندما حاولت فرنسا عقلنة إدارة بوش، قال عنها وزير الدفاع، دونالد رامسفيلد: «إننا لسنا بحاجة لنصائح من أوروبا القديمة!».
إنها الفترة الزمنية المجنونة، التي انفلت فيها عقال العقل والمنطق، وبلغ الجنون درجة أن صحفياً سأل رامسفيلد: « لماذا تريدون ضرب العراق، مع أنه لا علاقة له بأحداث سبتمبر، وليس هناك أدلة دامغة على امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل؟»، فردّ عليه رامسفيلد: «لا يوجد في أفغانستان أهداف جيدة لضربها!!»، أي أنّ أمريكا، أو الأسد الجريح، كانت ترغب في الانتقام، وضرب العدو بعنف، ولن يشفي غليلها إلا ضرب بلد يستحق، مثل العراق، فيه أهداف يشفي ضربها الغليل، لا بلداً متخلفاً مثل أفغانستان، أي أنّ أمريكا كانت تريد رد اعتبارها وكرامتها، بعد أن أهينت في عقر دارها، على يد تنظيم القاعدة، ومرة أخرى نتساءل: «هل فعلاً كانت هذه هي الأسباب، أم أنً كل ذلك كان ذرائع لأمور دبرت بليل، ومنذ زمن بعيد، لتدمير العراق، وتدمير وحدته وإنسانه، لأسباب لا نظنها تخفى على لبيب؟!.
كان العالم كله يعارض ضرب العراق، عدا بوش الابن والمحافظين الجدد، وتابعهم في 10 داوننق ستريت، توني بلير، وأذكر، خلال تلك الفترة، أنني تشرفت مع بعض الأكاديميين والمثقفين بلقاء ولي عهد المملكة حينها، الملك عبد الله بن عبد العزيز، طيّب الله ثراه، في منزله العامر، وذلك قبيل ضرب العراق، ولم يكن صوت يعلو على صوت طبول الحرب، وبالتالي فقد سأل أحد المثقفين العرب سمو ولي العهد، عن رأيه فيما يخص الحرب على العراق، وغني عن القول إن للعراق، وبقية بلدان العالم العربي، مكانة خاصة عند الفارس العربي، عبد الله بن عبد العزيز، فأجاب سموه بألم: «كل شيء يشير إلى أن أمريكا تنوي ضرب العراق، ولكن قلبي يقول لي إنّ ذلك لن يحدث بإذن الله»، وكان سموه قد بذل كل جهد ممكن، مستغلاً مكانته الدولية، للحيلولة دون ضرب العراق، ولكن كان المحافظون الجدد قد حزموا أمرهم، ولم يكن أحد ليستطيع إقناعهم بخلاف ذلك، لا رئيس فرنسا، ولا مجلس الأمن، ولا الملك عبد الله، ثم ضربوا العراق، ودمروه، ولم يسلموه لإيران،كما يزعم البعض، فأمريكا لم تخسر المليارات والأرواح لتسلم العراق لإيران، بل أريد للعراق أن يكون هكذا، بلداً ممزقاً، تحكمه الطائفية والفقر والجهل، والتقسيم لاحقاً، ليختفي عراق الرشيد الذي نعرفه للأبد، وذلك لمصلحة أطراف لن تجدوا صعوبة في معرفة هويتها!.