عبد الله باخشوين
.. في عام 2008 استثمر المرحوم علي أكبر هاشمي رفسنجاني الحوار الإسلامي حول التسامح الديني الذي عقد في مقر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.. وطلب من قيادة المملكة العربية السعودية السماح له والوفد الكبير المرافق بزيارة موقع: «بستان فاطمة».. الواقع على بعد نحو 300 كيلو باتجاه خيبر في منطقة «فدك» باعتباره معلما تاريخيا من آثار السيدة فاطمة رضي الله عنها.. وهو موقع زراعي خصب توجد به سبع آبار ماء عذبة.. تخلى عنه اليهود في العام السابع للهجرة.. ووهبه النبي عليه الصلاة والسلام لابنته فاطمة.
بعد عودتهم من هناك قاد رفسجاني مرافقيه واتجهوا إلى «عسير» حيث زار وفده منطقة «أبها» في جولة سريعة استغرقت نحو «عشر ساعات».. بدأوها بزيارة قرية «ابن حمسان» التراثية في خميس مشيط.. وتناول طعام الغداء في ضيافة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في منطقة «الجبل الأخضر».. وختموا جولتهم بزيارة منطقة «السودة».
بعد تطور الأحداث - أول مرة - على الحدود السعودية اليمنية التي اخترقها الحوثيون خلال حربهم ضد المخلوع علي عبدالله صالح.. قيل إن رفسجاني في - أبها - كان يسأل عن «الحدود اليمنية» وعن «موقع صعدة» على الحدود.. غير ان الزيارة - حينها - لم تثر دهشة أي مواطن سعودي قرأ أو سمع عن القيام بها بمثل تلك السرعة التي تمت بها.
وفي عام 2009 زار رفسجاني بغداد بدعوة من السيد جلال طالباني رئيس الجمهورية العراقية حينذاك.. وهي زيارة أثارت حفيظة نائبه السيد طارق الهاشمي الذي عبر عن استنكاره برفض استقبال رفسنجاني لأسباب برتوكولية ودبلوماسية.. وهو اليوم يعتبر موقفه ذاك مقدمة لكل ما حدث له بعد ذاك من إقالة وتهديد وملاحقات من قبل «عصا» إيران المتمثلة في شخص ونفوذ رئيس الوزراء نور المالكي.
وبعيداً عن نظرية المؤامرة يمكن أن نعتبر زيارة «فدك» و«بستان فاطمة» كان بالون اختبار للقيادة السعودية التي لم تر في زيارة «أي مسلم» لأي موقع إسلامي سواء باعتباره سنياً أو شيعياً.. كما أنها رحبت بزيارة منطقة «عسير» باعتبار ان هذه المنطقة منطقة «سياحية» تتعدى شهرتها المستوى الإقليمي.. وكثيراً ما كانت المملكة تقوم باستضافة وزراء الطاقة والبترول في مدينة أبها لعقد مؤاتمرات «منظمة أوبك» في أجواء مثالية جداً.
غير أن الأسئلة وعلامات الاستفهام الكبيرة أخذت تطرح نفسها بإلحاح تجاه أهداف كل ملالي إيران وفي مقدمتهم علي أكبر هاشمي رفسجاني والتي لا تقول أجوبتها والنتائج التي آلت إليها علاقات إيران بالأكثرية المسلمة بأية نوايا حسنة بل بدسائس ومؤامرات مبيتة.. حيث - في البدء - كانت تسعى لإفشال أي موقف سعودي متسامح تجاه التيار الشيعي في حال - رفض زيارة موقع «بستان فاطمة» يرون ان له بعداً مذهبياً.. أو زيارة «منطقة سياحية» يريدون الذهاب إليها لـ«شم الهواء» الصيفي النقي لمدة لا تزيد على «عشر ساعات» فقط.. اما بعد أن تحقق ذلك فإن الوفد أصبح ينظر من «الحدود» لما وراء «الحدود».. لذا لا أعتقد بالقول ان رفسنجاني كان يقود تيار الاعتدال في إيران وأن كل أصحاب الاعتدال خسروا برحيله، لكن أرى أن الرجل كان يتخفى وراء الاعتدال لتسهيل مهام الأدوار السرية وتمكينه من الاختراقات التي لا يمكن للمتشددين القيام بها.