رمضان جريدي العنزي
يجعلون من القارورة الفارغة عطراً، ومن الحديقة الميتة مروجاً خضراء وورداً، ومن ممرات الأتربة رخاماً ثميناً، ومن المديح العالي طقوساً يخرجون به عن حدود اللياقة واللباقة، ومن المعلَّقة نثراً، ومن النثر معلَّقة، يحولون الباطل حقاً، والحق باطلاً، والصراط المستقيم معوجاً، والمعوج صراطاً مستقيماً، والحسن قبحاً، والقبح حسناً، والرصيف كريستالاً، والكريستال رصيفاً، والثلج جمراً، والجمر ثلجاً، والمها التي بين الرصافة والجسر بلا عيون، والدم منارة، والموت أناقة، والملح سكراً، والسكر ملحاً، والطبل مزماراً، والمزمار طبلاً، والعقل نازحاً، والقلب جامحاً، والريح تعلق في شبابيك المنازل، والتيه ذكاء، والحلم بقايا انهزام، والغيث بلا ماء، والماء بلا غيم، والنار إذا ما استعرت ليست ناراً، والظمآن يمشي على الماء، والماء لا يمنح الارتواء، والشمس إذا ما أصبحت نافرة، تصبح الحياة عندهم خاسرة، لا النور عندهم يرقص، ولا يطغي البصر، والرماد عندهم أشد من سقر، ينامون في كهف الحلم، وسطوة الدهشة عندهم غائبة، لغتهم المادحة شهب، والوصف عندهم مفتوح بلا دائرة، يموت اللون عندهم ويفنى الفنى، والظل يتلاشى إلى حدود الأنا، شدوا الحروف تماهينا بنا، وحتى السديم ببهتهم انعدما، جعلوا من الجهات ستاً بدل من جهاتها الأربع، جعلوا من الطين مرايا، والقبح هوى، والذوق مقصلة، والجرح سنبلة، والمبادئ طقوساً قديمة، والحقيقة قارباً على اليابسة، والأخلاق متاعاً سقط من قافلة، مجنون عندهم ذاك الذي يقول عنهم عقول ناقصة! أيها المادحون الباهتون، لملموا شظاياكم المكسورة، وتأبطوا الفراغ، فهذا الهواء لن يعبر حلمكم، وتلك غيومكم لن يهطل من عباءتها المطر، ولن تنهض الوردة من تراب حديقتكم وأن اسقيتموها بماء منهمر، لأن قواربكم ما زالت على اليابسة، واليابسة لا يأتيها غزير المطر، فاستريحوا أو تواروا خلف الريح الحارقة، ولا تثقلوا جنح النوم بثرثراتكم العابرة، فقد سخر الغسق منكم والشفق، فاستهيموا في الدهاليز والزوايا، وصيدوا أحلامكم من المرايا العتيقة، وانكسروا مع الغريرات من أوهامكم البليدة، ومدائحكم الرجيمة، ومغاليق الضلالة، وإذا ما قنطتم تجمعوا حول تباشير الضحى، وانداحوا في توبة عميقة.