الثقافية - محمد المرزوقي:
فقد المشهد الثقافي في المملكة مطلع الأسبوع الماضي الكاتب والقاص السعودي صالح بن عبدالله الأشقر، بعد أن ألزمه المرض السرير الأبيض بمستشفى الملك فيصل التخصصي، إثر وعكة صحية حادة، إذ يعد الأشقر - رحمه الله - أحد الأسماء البارزة في كتابة القصة في مشهدنا الثقافي، وهو من مواليد مدينة حائل عام 1951، إذ واصل تعليمه متخرجاً من جامعة الملك سعود في كلية الآداب من قسم اللغة الإنجليزية، كما عمل في الصحافة المحلية من بداية الثمانينات الميلادية، إذ يعد الأشقر مسؤول التحرير للشؤون الثقافية السابع بصحيفة الجزيرة بعد كل من: محمد السرحيّ؛ عبد الله نور؛ علي العمير؛ سعد الحميدين؛ أحمد البدلي؛ حمد القاضي، إذ أسندت مهام شؤون تحرير القسم الثقافي إليه، حيث اتجه الأشقر بعدها إلى التفرغ للكتابة الأدبية ولشؤونه الحياتية الخاصة، وقد أصدر خلال مسيرته الأدبية مجموعتين قصصيتين، الأولى بعنوان: «ضجيج الأبواب» أصدرها عام 1989م، أما الأخرى فأصدرها الأشقر بعنوان: «ظل البيت» عام 2008م.
وقد وصف الأشقر - رحمه الله - في الأمسية الاحتفائية التي أقامها له نادي الرياض الأدبي الثقافي، ضمن فعاليات معرضه الخيري (التاسع) عام 2015 م في تعليق له على قلة نتاجه الأدبي رغم مسيرته الأدبية، وابتعاده عن المشهد الإعلامي تحديداً قائلاً: «لا تفسير لديَّ سوى الكسل والتراخي، وشغلت في فترة من حياتي بالفن التشكيلي، وهناك مجموعة قصصية جاهزة للطبع، وهي (تكوين)، وأما الرواية فلدي تفكير جاد، ولكن لا أريد أن تكون نسخة مكررة من الأعمال الموجودة، وإنما أفكر أن أقدم عملاً مختلفاً أو أتوقف عن العمل، وأنا متابع للأعمال الروائية السعودية، وأعتقد أن الحركة الروائية لدينا تتقدم بشكل جميل وبدأت تنافس على المستوى العربي». إذ لم يكن رد الراحل حينها الكسل أو التراخي الأدبي في الكتابة أو التأليف، إلا أن الأشقر من جيل الثمانينيات الذين احترفوا الكلمة الإبداعية وإن قل نتاجها، واتخذوا من الكتابة مهنة وإن شح عائدها المادي، وواصلوا الرحلة مع الكلمة وإن تكالبت عليها عقد المتاعب والمنغصات، ما جعل من الأشقر أحد أعلام ذلك الجيل الذي يؤمن بالنوعية فيما يكتبون وبما يؤمنون به من إبداع فيما يؤلفون.
لقد امتدت مسيرة الأشقر عبر مسارين، أولهما المسار الإعلامي الثقافي، أما الآخر فالمسار الأدبي والقصصي بصفة خاصة، إذ يعد الفقيد ممن أبدعوا الكلمة الأدبية عبر الصحافة ثم من خلال تأليفه لمجموعتين قصصيتين، إلا أن ما يميز الراحل أنه يعد أحد الأسماء البارزة خلال جيل الثمانينيات، بما يمتلكه من حضور ثقافي فيما دونه من مقالات وحرره من قراءات ثقافية، وكتبه - أيضاً - من مقالات نقدية للعديد من الأعمال الأدبية، التي جاءت امتداداً لقراءات الأشقر الأديبة المتنوعة في الفنون الأدبية شعرها ونثرها، إلى جانب اهتمامه بمتابعة الحركة الأدبية (السردية) في المملكة، وحضوره في هذا الجانب الأدبي بقلمه تارة، وبشخصه من خلال المشاركات واللقاءات والأمسيات الأدبية تارة أخرى، التي تأتي إلى جانب حضوره (الإنساني) عبر البعد الثقافي والإعلامي، وعبر البعد الاجتماعي بوصفه الإنسان الحميمي، دمث الخلق، اللطيف بطبعه وبلفظه كما وصفوه محبوه ونعوه، عبر الصحافة المحلية، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال: تويتر، واتس آب، فيس بوك، وأنستقرام، التي أجمعت على حب الأشقر، وفقدان المشهد الثقافي المحلي أحد أعلام القصة في المملكة.
ومن مجموعته القصصية «ظل البيت» نورد قصة بعنوان «رقص»: ذات صباح غير كل الصباحات المتشابهة, وقفت فتاة اسمها مريم, أمام مرآتها الحميمة في غرفتها, ورأت غير ذاتها! رأت مريماً أخرى! واحدة لا تعرفها! حدقت بصمت طويل.. وأخذت تتأمل في المرآة, وكأنها تصلي؛ سحبت مريم مقعداً قريباً وجلست، اعتدلت في جلستها, وكأنها في حضرة فنان ماهر وجهها كان مقطباً, وتغمره بقايا تعب جسدي وسأم مرير.. رفعت يدها وأرخت شعرها فانتثر على كتفيها, وطارت خصلة صغيرة وحطت على شفتيها، غجرية رأت نفسها تتهيأ للرقص، كان يراود مريم حلم صغير وقديم .. أن ترى نفسها ترقص.. هاهي الآن والمرآة أمامها, والبيت والصباح خاويان، انسلت من المرآة والمدى الفضي واحدة, تنوء بجسد صاخب قد انفلت من قيده كماء النوافير, وانتثر في الهواء، اصطخب الجسد المجنون ومنح الروح بهجتها وحلمها الطفيف، قامت مريم من مقعدها.. أطفأت المرآة.. زينت شعرها وعكفت على رسم ابتسامة فائضة وخرجت من غرفتها!