قبل عدة سنوات، كنت أعمل تحت إدارة مدير مهووس بالثقافة الأميركية، حتى أنه عندما جاءوا له بمكتب جديد، طلب من عمال التركيب إعادة كرسي (الضيافة) الثاني، حيث يكون في العادة أمام كل مكتب كرسي ضيافة عن اليمين وآخر عن الشمال، ليجلس عليه من يراجع في معاملة ما بانتظار خدمته. سألته لماذا تكتفي بكرسي واحد؟! فأجاب: هذا هو النظام الأميركي، لا تترك أكثر من كرسي واحد في المكتب، حتى لا يضيع وقتك المراجع بتبادل الأحاديث الجانبية، بل يحصل على الخدمة ويذهب سريعاً.
تذكرت هذا الموقف وأنا أقرأ مرة أخرى كتاب برهان غليون (اغتيال العقل) وبالأخص حين قال: «إن تحكم الغرب اليوم بالقسط الأعظم من التجديدات الفكرية والتقنية يزيد من قدراته على السيطرة، ويجعل من ثقافته أكثر فأكثر مصهراً لكل الإبداعات البشرية الأخرى، وتكتسب هذه الثقافة على صعيد بنياتها الرمزية والشعورية والعلمية والروحية، طاقات تكيف متزايدة مع الواقع المتغير، وتغتني بكل أصناف العلوم والبيان».
إن هيمنة الثقافة الغربية على كل الثقافات اليوم، هو أمر واضح للعيان لا يمكن إنكاره، غير أن هذا لا يعني إنكارنا لوجود الثقافات الشرقية العربية ودورها في الحضارة، إلا أن هذه الثقافات (الشرقية) لم تعد تملك اليد الطولى في مركزية التغيير وإحداث الفروقات حول العالم، بقدر ما صارت مجرد تراث لغوي أو فكري انسحب تدريجياً من قوى العمل والإنتاج ولم يبقى منه سوى بعض الإشارات الكامنة في سلوك غير مؤثر!
لقد أصبحت الثقافة (الشرقية العربية) هامشية إذ أنها مازالت تتمسك بالقيم التقليدية القديمة، وبعض الثقافات الشرقية غير العربية مازالت حتى الآن تريد العبور إلى العالم من ثقوب لاهوتية لم تستطع مواجهة الثورات التي سحقتها وهمشتها في الغرب، حتى أصبح الغرب يسير في مقدمة الركب تاركاً خلفه كل أولئك المتمسكين بثقافاتهم الهامشية، الغير قابلة للتبلور مع الحالة العقلية التجديدية!
إن الثقافة المهيمنة ليست الثقافة الشعبية السائدة، بل هي الثقافة الكامنة عقلية وإنتاجية المبدع، والتي تؤثر على الغالب في السياق والأنساق الاجتماعية، وتنعكس على كل مكونات الحياة والمجتمع المدني بقواه السياسية والاقتصادية والتنموية.
وبعيداً عن الهوية وسؤالها المتجذر في تاريخ ثقافتنا المرتبك، هل ثقافتنا مؤثرة؟ أم هامشية؟!
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
تويتر: @AaaAm26