(نظرات في «على خطى العرب»)
نكمل في هذا الحلقة ما توقفنا عنده, ثم ننتقل إلى القسم الثاني, ويليه في الحلقات القادمة الوقوف عند أغاليط ضبْط الأَعْلام, وأغاليط التاريخ, والمواضع والبلدان, وتفسير أشعار العرب, كل قسم من هذه الأقسام ينضوي تحته العديد من الأخطاء التي اقترفها د. اليحيى في برنامجه, والله المستعان.
6 - ولا زلنا في معلقة امرئ القيس وعجائبها التي لا تنقضي, أنشد الدكتور هذا البيت:
*يزُل الغلام الخُف عن صهواته*
بضم الزاي وضم الخاء, وهذا غلط, فالزاي يجوز فيها الفتح والكسر, فتقول (يزِل ويزَل) أما الضم فلا يصح, وضم الخاء لا يصح أيضًا.
وصوابه الخِف بالكسر, والغلام الخِف هو الخفيف, قال أبو عبيدة: وسمعت «الخَفَّ». وصواب البيت:
يَزِلُّ الغلامُ الخِفُّ عن صهواته
ويُلوي بأثواب العنيف المثقَّلِ
(ديوانه 256/1,ابن الأنباري 87, ابن النحاس 169/1)
7- د.3.7, أنشد: كميتٌ يزُلُ اللَّبْدَ عن حال متنه ** كما زلت الصفواء بالمتنزَّلِ
وفي هذا الإنشاد عدة أغلاط, فنذكر في هذا الموضع ما يتصل بضبط الكَلم, ونؤخر الباقي إلى قسم أغلاط تفسير أشعار العرب.
فالغلط الأول (كميتٌ) وصواب الرواية والإنشاد: كميتٍ هكذا ورد في ديوانه ( 249/1) وشروح المعلقات ( ابن الأنباري 84, النحاس 168/1, التبريزي 73),فكميت صفة للفرس الموصوف في الأبيات السابقة, والغلط الثاني قوله: يزُلُّ, وصوابها: يَزِلُّ (انظر المصادر نفسها) ويروى: يُزِل بضم الياء.
والغلط الثالث قوله: اللَّبْدَ بفتح اللام والدال وهذا غلط, وصوابه: اللِّبْدُ بكسر اللام, وضم الدال, فاللبد فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره والله المستعان!
والغلط الرابع قوله: المتنزَّلِ, والصواب: المتنزِّلِ, بكسر الدال, كما ورد في جميع المصادر المذكورة سابقًا.
وبعد كل هذا فصواب البيت كذا:
كُميتٍ يزِلُّ اللِّبدُ عن حال متنه
كما زلَّت الصفواءُ بالمتنَزِّلِ
( ديوانه 249/1,ابن الأنباري 84, النحاس 168/1, التبريزي 73)
8- د.9.49 أنشد قول امرئ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
بنا بطنِ خبت ذي قفاف عقنقلِ
و (بطن) فاعل انتحى, والفاعل علامة رفعه الضمة كما يعلم الدكتور عيد اليحيى, وعلى هذا يكون صواب الإنشاد:
فلما أجزانا ساحةَ الحيِّ وانتحى
بنا بطنُ خبتٍ ذي قفافٍ عقنقلِ
(ديوانه 208/1, ابن الأنباري 54, ابن النحاس 134/1)
9- الحلقة الثالثة عشرة, د.10.14 أنشد بيت تأبط شرًّا:
يا عيد مالك من همّ وإيراقي
ومَرَّ طيْفٌ على الأهوال طراق
وفي هذا ثلاثة أغلاط, فالأول أبدل كلمة مكان أخرى, وهي (همّ) ولا نعلم من أين جاءت هذه الكلمة؟! والصواب (شوق) والغلط الثاني (مرَّ) وصوابه(مرِّ) بالجر للإضافة, والغلط الثالث (طيفٌ) وصوابه (طيفٍ) وصواب البيت:
يا عيد مالك من شوقٍ وإيراقي
ومرِّ طيفٍ على الأهوال طرَّاقِ
(المفضليات 27, شرح اختيارات المفضل 95/1, ديوانه 125 «تحقيق علي شاكر».)
10- في الحلقة 15 (د.20) أنشد بيت لبيد:
وجلا السيول عن الطلول كأنها
زُبْرٌ تجد متونها أقلامها
والغلط في هذا البيت (زُبْرٌ) وصوابه (زُبُرٌ) (ابن الأنباري 526, ابن النحاس 268/2, ديوانه 299»تحقيق إحسان عباس».)
هذه نماذج للأخطاء في ضبط الكلمات والأبيات, وهي أكثر من هذا, بل لا يكاد يسلم إنشاده للشعر من غلط أو كسر, ولو أردنا الحصر لطال بنا المقام, ولكن نكتفي في هذه الوجازة بنماذج دالة على مُرادنا من القسم الأول.
ثانيًا: كسر الشعر, والتقديم والتأخير:
لم يحفل الدكتور عيد اليحيى بسلامة الأبيات من الكسور, فهو ينشد ويكسر الشعر دون أن يهتم لهذا, وتجده يقدم ويؤخر في أجزاء البيت.
وهذه الكسور لم تظهر في بيت أو بيتين حتى يُغض الطرف -على مضض- بل تجلت في أكثر من ذلك, وأصبحت ظاهرة عامة, وحتى لا نطلق الكلام على عواهنه سنعرض بعض الأبيات التي لم تسلم من الكسر والتقديم والتأخير مما أفسد الشعر.
1-في الحلقة الخامسة (د.9.12) أنشد بيت امرئ القيس:
وبيضة خدر لا يرام خباؤها
تمتعت بها من لهو غير معجل
ولينظر القارئ في هذا البيت, وليلزم نفسه بقراءة البيت والشطر الثاني منه خاصة, هل ينطلق به لسانه؟ وهل يجد خفة في إنشاده؟ أم يحرن لسانه ولا ينطق؟ فالبيت بهذه الصورة التي أنشدها الدكتور عيد مكسور, وصواب البيت:
وبيضةِ خِدرٍ لا يُرامُ خباؤها
تمتَّعتُ مِن لهوٍ بها غَيرَ مُعجَلِ
(ديوانه, 199/1, ابن الأنباري 48, النحاس 129/1, التبريزي 50)
2- في ذات الحلقة (د.11.33) أنشد اليحيى:
كدأبك من أم الحويرث و قبلها
وجارَتَها أُمَّ الرباب بمأسل
وقد زاد الدكتور عيد اليحيى (الواو) فكسر البيت, لأن البيت عروضه مقبوضة (مفاعلن), ثم لا معنى للواو هنا. كما أن (جارتها) مجرورة ولا وجه للنصب فيها.
وصواب البيت:
كدأبكَ من أُمِّ الحُويرثِ قَبلَها
وجارتِها أمِّ الرَّبابِ بمأسَلِ
(ديوانه 175/1, ابن الأنباري 27, النحاس 105/1, التبريزي 30)
2- في الحلقة السادسة, (د.13.41) أنشد الدكتور بيت امرئ القيس:
كأن الثريا علقت بمصامها
بأمراس كتان شدت إلى صم جندل
ففي هذا البيت نقص وزيادة! فالنقص في حرف الجر وصوابه (في مصامها), وأما الزيادة فقد تسللت (شدت) إلى البيت ففعلت به الأفاعيل, والبيت من الطويل إلا أنه لا يصبر على هذه الإطالة الشديدة!
وصواب البيت:
كأن الثريّا عُلقت في مصامها
بأمراس كتّان إلى صُمِّ جنْدَلِ
(ديوانه 243/1, ابن الأنباري 79, ابن النحاس 163/1, التبريزي 69).
3- في الحلقة التاسعة, (د13.23) أنشد :
وتيماء لم يترك بها جذعُ نخلة
ولا أطما إلا مشيَّدًا بجندلِ
وليس الشأن في الجذع الذي رفعه وحقه النصب, ولكن الشأن في كسر البيت في الشطر الثاني, فقد شدد (مشيدًا) فكسر البيت, وصواب إنشاده:
وتيماءَ لم يترُك بِها جذعَ نخلةٍ
ولا أُجمًا إلا مَشِيدًا بجندلِ
(ديوانه 288/1,ابن الأنباري 105, النحاس 196/1, التبريزي 89)
4- في الحلقة العاشرة (د.13,10 ) ذكر الدكتور عيد اليحيى قصة حسان بن ثابت -رضي الله عنه- مع السعلاة التي جثمت على صدره وقالت له: أنت الذي يعدك أهلك للشعر, فلما قال: نعم. قالت له: قل:
إذا ترعرع فينا الغلام
فما إن يقال له هوه
إذا لم يسد قبل شد الإزار
فذلك فينا لا هوه
ولي صاحب من بني الشيصبان
تارة أقول وتارة هوه
فلا الخبر جاء صحيحًا كاملاً, ولا الشعر جاء سليمًا, بل متهلهلاً ممزق الأشلاء, مقطع الأوصال.
ففي البيت الأول حذف (ما) من الشطر الأول, وفي الشطر الثاني حذف (في) وفي البيت الثاني حذف (الذي) وفي البيت الثالث أخَّر (أقول) و أبدل (حينًا) ب(تارة) وهي مما لم يرد, وإنما تتراوح رواية البيت بين (حينًا) و(طورًا) فبعضهم رواه ( فحينًا أقول وحينًا هوه) وهذه رواية ابن دريد في الجمهرة 235/1 وعنه أخذ القالي في «المقصور والممدود»195, وعن القالي نقل السيوطي في مزهره 492/2 والبغدادي في خزانته 428/2, وفي ديوانه 396, وبعضهم روى (فطورا أقول وطورًا هوه) وهي رواية اللسان (شصب), والعجيب أن ابن منظور أخذ الخبر برمته من حواشي ابن بري (99/1) إلا هذا الشطر أخذه من المحكم لابن سيده (438/7) فليتأمل !
والصواب في الخبر أن السعلاة لم تقل له: قل هذا الشعر, وإنما قالت لحسان: أنشدني ثلاثة أبيات على رويّ واحد وإلا قتلتك, فأنشدها هذه الأبيات:
إذا ما ترعرع فينا الغُلامُ
فما إنْ يُقالُ له: من هُوَهْ
إذا لم يَسُدْ قَبل شَدِّ الإزار
فذلكَ فينا الذي لا هُوَهْ
ولي صاحِبٌ من بني الشَّيْصَبَان
فحينًا أقول وحينًا هُوَهْ
ولينظر القارئ إلى الأبيات كيف أسمحت قرونتها, وجرت على لسانه سهلة رهوة, بعد شموس وتغلّق.
5- في الحلقة 26 (د. 18.20) أنشد بيت مالك بن الريب:
أنا في قبضة الإله إذا كنت (م) منك قريبًا أو كنت بعيدًا
وبسبب التقديم والتأخير, كسر البيت, وصوابه:
أنا في قبضة الإله إذا كُنتُ (م) بعيدًا أو كُنت منك قريبا
(ديوانه 70, تحقيق نوري القيسي)
6 - وفي نفس الحلقة (د.20.00) أنشد الدكتور بيت ابن الريب:
لقد كان في الغضا مزار لو دنا الغضا ولكن الغضا ليس دانيا
وليعلم القارئ أنني لم أفصل بين الشطرين, لأن البيت لم ينكسر وحسب, بل وأصبح من قبيل حلّ المنظوم, وعاد نثرًا خالصًا وصوابه:
لقد كان في أهل الغضا لو دنا الغضا
مزارٌ ولكن الغضا ليس دانيا
(ديوان مالك بن الريب, 88)
7 - وكذلك إنشاده بيت ابن الريب:
لعمري لئن غالت مرو هامتي
لقد كنت عن بابي مرو نائيا
وهو بهذا الإنشاد يكسر البيت, ويغير الموضع, وما مرو إلا ناحية من نواحي خراسان, وصواب البيت:
لعمري لئن غالت خراسان هامتي
لقد كنت عن بابي خراسان نائيا
(ديوان مالك بن الريب, 89)
يتبع..
- عبدالله المقبل