يحُكى أن طالباً قروياً في زمن جميل ذهب واندثر، وقبل الاختبارات بقليل تغشته حالة إيمانية عجيبة، جعلته حمامة للمسجد، يحضر للصلوات الخمس قبل الأذان، يتكفل بإغلاق الأبواب وإطفاء الأنوار كونه آخر من يخرج، في الفترة ذاتها، أصبح مطيعاً لوالديه، محباً للخير، معطاء كريماً مع إخوانه وزملائه وجيرانه، تسلح بهذا الإيمان الطارئ فكان زاده وعتاده الذي واجه به الاختبارات، في زمن كانت فيه الامتحانات أشبه بالأحكام العرفية التي تفرضها بعض الحكومات على الشعوب في الأزمات الطارئة.
أنهى اختباراته، ومنّ الله عليه بالنجاح، عاد إلى أمه يحمل إليها البشرى قائلاً: لقد نجحت يا أمي، تهلل وجه الأم وحمدت ربها ودعت لولدها بالهداية والاستقامة والصلاح، أذان الظهر يرفع في مسجد القرية والأم ما زالت تعيش فرحة نجاح ابنها، قالت له والفرحة تخنقها: إلى الصلاة يا بني، قال الولد: خلاص لقد نجحت!.
أسوق هذه القصة لأذكركم بشبح الاختبارات سابقاً الذي كان يخيم على الأسر وأبنائها ومدى تأثيرها عليهم، كان المجتمع يرزح تحت هذا الهاجس، كانت الشوارع ساكنة والمحلات تمر بفترة كساد يعرف بكساد الاختبارات، حتى جهاز التلفزيون كان يصادر إلى مكان قصي من المنزل يحبس احتياطياً حتى تنتهي الامتحانات بخيرها وشرها. اليوم تغير الحال وأصبحت الاختبارات رحلة استجمام وفترة نقاهة قبل أي إجازة، فالمدارس لم تعد كما كانت، فالأنظمة مطاطية تقبل التفسير والتأويل، والمعلمون يسابقون الوقت لرصد الدرجات في خطوة استباقية للدرجة النهائية التي سيحصل عليها الطالب في آخر اختبار، وصكوك النجاح أصبحت ممهورة بالأختام تُعطى للطلاب حال انتهائهم من آخر اختبار، لتصبح الاختبارات وما يصاحبها من أحداث مجرد بروتوكولات صورية لمشاهد شكلية تُنهى بها السنة الدراسية.
تعليمنا يمر بأزمة حقيقية أولها، تغير الظروف، فالمعلم يشتكي جحود الوزارة وقبلها المجتمع، والمجتمع بات لا يثق في مخرجات المعلم، والشواهد المعاشة تؤكد أن تراجع التعليم أصبح ظاهرة معاشة يتعايش معها الجميع كواقع ليس منه بد.
كنا فيما مضى نشتكي من أساليب التلقين ونراها تعطل العقل وتقصيه، واليوم أصبح التعليم تجارب تستورد ويعاد تكييفها لتناسب الطالب، إلا أن هذا التكييف أو التعديل يظل مظهرياً خالياً من كل مفاهيم العصر ومقتضيات تطور إنسانه. وتحت وطأة هذه المفاهيم الغريبة أنتجت لنا العملية التعليمية المستحدثة نسخاً مكررة من الطلاب لا يفقهون ولا يعلمون ولا يعملون،كل همهم لأن يخرجوا من المدرسة ليصافحوا الشارع الذي أصبح مستقرهم ومستودعهم.
في هذه الأيام والاختبارات تدور رحاها تشاهد الطلاب في كل مكان، الشوارع مكتظة، والأسواق تعمل بكل طاقتها، ومدن الألعاب تستقبل الطلاب وحداناً وزرافات في مشهد يُذكرك بالأعياد والمناسبات.
كل الأماكن مشغولة بالشباب أيام الاختبارات عدا المساجد والتي كانت في مثل هذه الأيام تستقبل التائبين والعاكفين والركع السجود والذين كانوا يرون في الاختبارات وأيامها نوازل يعودون فيها إلى الله، أما جيل اليوم فالاختبارات بالنسبة لهم أعياد ومناسبات، فيها يأكلون ولا يشكرون ويشربون ويؤذون في مشاهد تضاد ما كان عليه أسلافهم الطيبون في زمن سابق جميل، فسبحان مغير الأحوال من حال إلى حال.
- علي المطوع