د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** لو كتب سيرة والدته كما هي دون أن يوظف أدوات الروائي وتقنياته لجاءت في صدر أكثر الكتب السيرية مبيعًا. وحين سأله صاحبكم قبل سنوات عشرٍ عنها أراه مفتتح مسَوَّدةٍ في حدود عشرين صفحةً، قال إنها بداية السيرة، وراجعه بعدها كثيرًا محفزًا ومستفهمًا فكان آخر عهده أن العشرين ما تزال عشرينًا.
** اختطفت في عمر السابعة من أهلها في «بشَرِّي» حيث يرقد جبران، وتسمق «الأرْز»، ونُقلت إلى سوريا ومنها إلى «عنيزة» بعد رحلة مضنية، ولم توفق في أول زواجاتها، ثم نجح زواجها من والد هذا الطبيب فأنجبته وشقيقيه الطبيبين «عبدالله وعلي» وشقيقه ناصر - رحمهم الله - وشقيقتيه المؤهلتين تأهيلًا عاليًا - حفظهما الله -.
** لم تعرف هذه الأم عن أهلها سوى اسمها الرباعي، وضيعتها الجبلية؛ وهو ما دعا صديق الأسرة أستاذنا الراحل عبدالله الحمد القرعاوي - وقد أحس بلهفة الأم على معرفة ذويها - إلى أن يسافر إلى تلك الضيعة، ويبحث في مركزها عن العائلة كما وعتها «الطفلة - الأم»، حيث اكتشف انتماءها إلى بيت من أعرق البيوت اللبنانية ذات الأصول الغسانية - وفق رواية ابنها الطبيب - ووجود أمها وشقيقاتها على قيد الحياة، ولكن في المكسيك.
** لا تقف الرواية هنا، بل لا تكتمل حتى هناك؛ فقد سافرت إلى المكسيك بتعب وتنقل بين المطارات، وهي الفتاة النجدية المسلمة غير المتعلمة، والتقت أمها وأخواتها «المسيحيات»، وما اعتور التئام الشمل من فرح برؤيتها وألمٍ لتبدُّل دينها، وتوفير مكان لها لأداء صلواتها فروضًا ونوافل، وما مثله اختلاف الثقافة والمعتقد واللهجة والانتماء من فروقات ومفارقات.
** ليت أستاذنا اللواء «متقاعد» الدكتور محمد بن إبراهيم العماري - طبيب القلب والأوعية الدموية الماهر ومدير المستشفى العسكري سابقًا، وهو المهتم بالأنساب والشعر والرواية الشفهية - يحزم أمره بمعونة شقيقتيه لإبراز سيرة والدتهم وعصاميتها وكدِّها مع والدهم في مزرعتهم بـ»القويِّم» غرب عنيزة، وما تلا ذلك من غربة مع أولادها في مصر، وحيثما تنقلت بهم الحياة وتلوَّن الأحياء. ولن تكون - لو نُشرت - سيرةَ امرأة ولا أسرةٍ، بل مرحلة ومتغيرات في زمن لم يستنسخه زمننا.
** السيرة تصنع الرواية.