سهام القحطاني
«يقاس تاريخ الشعوب برجالها العظماء وإنجازاتها العظيمة».
إن الحديث عن التاريخ السعودي، سواء في قديمه أو حديثه، يستلزم منّا الوقوف أمام خاصية تميّز بها هذا التاريخ عبر أطواره وحِقبه،خاصية أظنها حاصلاً لطبيعة الخصوصية الجغرافية والثقافية للمكان والسكان. وهذه الخاصية هي أنه تاريخ من «صنع الأفراد». ولعل لهذه الخاصية تفسيرًا منطقيًّا يبررها، يمكن إيجازه في النقاط الثلاث الآتية:
غياب الهوية الوطنية المشتركة الداعمة للإنجاز الحضاري أو التاريخي، غياب العقل العلمي الجمعي الداعم لنشأة وتطوير الحدث التاريخي وغياب التجربة العلمية المحفزة للتتابع والتراكمية. وكما نعلم أن الهوية والعقل العلمي الجمعي والتجربة العلمية أمور تُشكل سلطة التأثر والتأثير.
كما أن تلك النقاط هيأت بيئة شبه الجزيرة العربية أن تكون قابلة لصناعة الحدث التاريخي الفردي المدعوم بسلطة خاصة لا جماعية. وهذا مجال واسع للحديث، لا يتسع المقام لتحليل تفاصيله.
من أبرز الأسماء التي أسست التاريخ الحقيقي لشبه الجزيرة العربية، وأخرجتها من محيط التهميش إلى الواقع العالمي، كان الإمام «محمد بن سعود» - رحمه الله - الذي تبنى الدعوة السلفية للشيخ «محمد بن عبد الوهاب» - رحمه الله -.
كما يُعدّ الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - من أبرز الأسماء في هذه الحقبة التي شاركت في صناعة التاريخ الجديد لشبه الجزيرة العربية. لكن الحقيقة الثابتة تظل في أنه لولا تبني الإمام محمد بن سعود دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب لاختفى أثر ثورته التصحيحية، كالحركات الدينية التصحيحية التي سبقته؛ لذا تعدّ الشراكة التاريخية بين الإمامين التي صنعت تاريخ شبه الجزيرة العربية من أشهر الشراكات التاريخية في تاريخ الإنسانية.
وبلا شك، إن هذه الشراكة أسست أول ثوابت دستور الدولة السعودية حتى يومنا هذا، وهو «ثابت خدمة الدين».
ثم أتى بعدهما الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - ليعيد تجديد ذلك التاريخ بعد دخوله منطقة الظلمة والتهميش نهاية الدولة السعودية الثانية.
وقد استطاع الملك عبدالعزيز - رحمه الله - أن يُرسخ دعائم التاريخ الجديد لشبه الجزيرة العربية وفق أصل الشراكة الدينية التي أسسها الإمامان محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب، وليؤكد أول ثوابت الدستور السعودي «خدمة الإسلام» وقضاياه.
وبذلك نجد أنفسنا أمام دستور، يقوم على ثلاثة محاور رئيسة (العقيدة خدمة الإسلام داخل البلاد وخارجها)، و(الهوية من خلال توحيد ثقافة الجغرافيا و توحيد ثقافة المواطنة)، و(العلم).
لتُصبح تلك المحاور الهيكل الرئيس للدستور السعودي وخططه التنموية والإنمائية منذ عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - حتى (رؤية 2030).
وهي ثوابت، رسمت بدورها مواقف أبناء الملك عبدالعزيز آل سعود الذين حكموا هذه البلاد المباركة؛ فقد خلّد التاريخ دور المناضل الشهيد الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - ومناصرته قضايا العرب والمسلمين، وشجاعته في مواجهة العالم.
كما سيُخلد جهود كل من الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود والملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمهما الله - في خدمة الإسلام والمسلمين، سواء بمشروعات توسعة الحرمين الشريفين وتطوير مناسك الحج، أو بمعاضدتهما و مناصرتهما قضايا المسلمين في العالم، والدفاع عن الأقليات الإسلامية المضطهدة، ودعمها للمشاريع الداعمة لنشر الإسلام الوسطي.
وها نحن اليوم أمام نافذة تاريخية جديدة، تُضاف إلى سجل حكّام هذا البلد الطيب المبارك، يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - (ملك السلام)، الذي استحق بجدارة جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، والذي وقف بحزم وعزم أمام الزحف الشيعي في المنطقة والمليشيات الإيرانية وطموحاتها الفاجرة في المنطقة، بينما استكان معظم قادة العرب، وانزووا في الزوايا المظلمة (ولا مكان في التاريخ للجبناء).
ومن يظن أن عاصفة الحزم هي عاصفة للدفاع عن السعودية فقط فرؤيته قاصرة؛ إنها عاصفة للدفاع عن (إسلام الأمة) في كل مكان؛ لأن إيران وملشياتها -وليست الشيعة - شر مستطير، متى ما تمكنت ستلتهم الجميع دون استثناء.
والحقيقة، إن إيمان الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - بخدمة قضايا الإسلام والعرب هو إيمان راسخ منذ نعومة أظافره عندما شارك في حرب 1956م في مصر ضد العدوان الثلاثي، واستمر هذا الإيمان من خلال أعماله لدعم تصحيح رؤية العالم للإسلام الوسطي الذي قاد - ولا يزال يقود - مبادئ السلام والرحمة والعدالة، ودعمه لمشاريع خدمة القرآن الكريم والسنة النبوية داخل البلاد وخارجها، إضافة إلى مساندة الأقليات الإسلامية بينما سكت العالم عنهم.
دعم سيخلد السيرة الطيبة لملك الإسلام والسلام على مدى التاريخ.. فمن أعزّ الإسلام أعزّه الله في الدنيا والآخرة.