فيصل أكرم
هو لا يعاني من اعتلال في جسمه القائم عملاقاً ولا وهن، كيف يعتل ويوهن الجسمُ المتقنُ الخالدُ الصلبُ؟ كل ما في الأمر أن كسراً أصاب مرايا كثيرة تتلاصق وتتفكك من حوله كيما تقابله وتحاول التقرّب منه دون أن يكون لها من ملامح تشابه ملامحه غير سطحٍ مسخٍ أملسٍ ناصع البراءة منه ظنه غير العارفين بكنهه انعكاسَ الكائن الحيّ على أشياء ليست ميتة لأنها لم تعش أصلاً ولم تمارس أي دور يماثل دوره الراسخ عمقاً والشامخ طولاً في الحياة..
هو لم يختف، ولم يتوقف عن تطوير أماكنه المشروعة الحقيقية لا المشرعة اللا مستحقة.. فقط احتفظ بخصوصيته المتوغلة في أبعادٍ لا يتورط داخلاً إلى مساربها ودهاليزها الواسعة وسع الكون سوى المتأمّل حقاً في شهادات العصور على تقلبات الأماكن في ثنايا الأزمنة ورموزها من شخصيات وقطرات ينفر بعضها من أعتم الآبار الصلدة ويسقط بعضها من أشد السُحب هشاشة وإشعاعاً على أصلب أرضين.. على العالمين، تشخص أبصارُه ويتوه في أوعيةٍ يتكوّن منها أساسُ وقفةٍ لا تكون عابرة مهما عبر عليها دخلاء وخارجون..
هو لم ينته ولن، فقد عاش وسيعيش بين الإنسان بجنونه وعقله.. بذكوريته وأنثويته.. بوفائه وغدره، وبالرّضا والسخط يعيش، بحرّية الانفلات وبقيود الأسر يعيش، ويعيش بالموت حتى ويتأهّل باليُتم في عالمٍ كلما دفن نفسه أوجد له نشوراً يساوي أناه حقيقةً كانت أو وهماً..
هو، يا له من هوّةٍ لا يعلو بها إلا من تغمض عيناها عليه ويتبخّر منها كلُّ من لم تصل به خواصُ معادنه إلى مائها الغريب.. هو ليس غريباً بل الأغرب، وليس قريباً بل الأقرب، ولكنّ أبعاده تتغرّب فيك حين تكون أنت على قدر لا يصل إلى تلك المرتبة.. وأعنى مرتبة سرير يشبه الكرة الأولى ويتمدد إلى لحدٍ أخير.. هل قلتُ شيئاً عن الضمير؟ لا يا أخا الشعر، فلستُ بوارد مقاضاة أحد.. فلا الجبال أنا ولا الرمال، ولم أكن لأيّ من تلك الخيام الوتد.
قلتُ: عن الشعر أتحدّث، واعني أن للشعر حديثاً أحاوله ولستُ أزعم أنني الحاكم العادل بشأنه إلا في إثبات أدانة المتهمين الحقيقيين العاملين عليه وبه ومن أجله. كأنهم الريح تعصف بك حين تستحضر شيئاً من قصائدهم، تطير بك إلى نقاط كنت تحسبها غامضة في روحك ومن حولك.. أو كأنهم الريح لا تشعر بوجودها إن أقفلتَ على روحك كلّ الأبواب.