محمد عبد الرزاق القشعمي
سمعت عنه ما يسر ويبهج قبل أن أراه وأتعرف عليه. سمعت ببعض ما قدمه للمؤسسات العلمية والاجتماعية والثقافية من مساعدات مادية ومن مشاركاته العملية، وعضويته لكثير من اللجان والمؤسسات التي تهدف إلى خدمة المصلحة العامة.
عرفته عن قرب، ورافقته في بعض المناشط الثقافية والاجتماعية والرياضية في أماكن مختلفة من وطننا الحبيب، ورأيته داعماً ومشاركاً وحاضراً لكل المناسبات الاجتماعية في الأفراح والأتراح، الكل يحبه ويشيد به ويعترف بفضله. حضرت أول مناسبة جمعتني بعدد كبير من الوجوه الاجتماعية قبل خمس سنوات (1432هـ)؛ إذ التقى عدد من رجال الثقافة والرياضة والمجتمع في مدينة شقراء من جميع أنحاء المملكة.
وإن كنت التقيت به قبل ذلك عندما انضم لعضوية مجلس أمناء مؤسسة الشيخ حمد الجاسر الخيري ومركزه الثقافي عندما كان خادم الحرمين الشريف الملك سلمان الرئيس الفخري للمجلس، وعضوية عدد من الأدباء والشخصيات من المملكة وخارجها.
صحيح إنني التقيت به قبل ذلك بسنوات قليلة في قرية تقع جنوب دمشق، وهي قرية (دروشة) بالقرب من (جديدة عرطوس)؛ إذ كان له فيها منزل يحيط به بستان ذو شجر مثمر، وكنت بالمصادفة التقيت ابن عمه وصهره الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالله الشويعر الذي دعاني لزيارته هناك.
وكنت وقتها في زيارة لدمشق بسوريا، ولم يكتفِ بالدعوة بل حضر مع ابن الأستاذ عبدالعزيز الأكبر زكي. وصلنا السكن بالمزرعة وإذا بأبي زكي يتنقل بين أعالي الأشجار؛ ليقلمها، ويعدل أغصانها، ويجني ثمارها بواسطة سلم طويل؛ فاعتقدت أنه أحد العمال، لكنه بمجرد وصولنا نزل مرحباً ومهللاً، وكأنه يعرفني من قبل، ولم يلبث أن بدأ يضع الفحم في المنقل، ويشعل النار، ويهيئ الشواء للغداء وهو يرحب، لا تفارق الابتسامة محياه.. عرفت بعد ذلك أن هذه سجيته، وهذه عادته مع الكل.
توثقت علاقتي به، وأصبحت ألتقيه في مجلس الشيخ عبدالكريم الجهيمان - رحمه الله - يوم الاثنين من كل أسبوع تقريباً، وكذا في المناسبات المختلفة من ثقافية إلى اجتماعية أو زواج أو تعزية أسرة متوفى.
عرفتُ منه كيف بدأ حياته مكافحاً ومبتدئاً من الصفر، إذ تلقى تعليمه الابتدائي بشقراء، ثم بالمعهد العلمي بالرياض، ثم مدرساً ومساعداً لمدير مدرسة جلاجل، ثم مديراً لمدرسة روضة سدير. وفي عام 1379هـ انتقل إلى الرياض ليعمل موظفاً بديوان المراقبة العامة بالمرتبة السادسة وهو لا يحمل سوى شهادة الكفاءة؛ ما شجعه على الدراسة ليلاً عن طريق نظام السنوات الثلاث بسنة واحدة - وهي التي أُقرت لكبار موظفي الدولة الذين لا يحملون شهادات دراسية -.
وفي عام 1392هـ/ 1972م استقال من عمله في ديوان المراقبة العامة، وبدأ في مجال العمل الحر، وبخاصة (العقار)، باستئجار مقر صغير بشارع جرير في حي الملز بإيجار قدره أربعمائة ريال 400 في السنة. وإلى جانب عمله الأولي بالعقار كان يساعد والده ببيع البرسيم، وتوزيع أسطوانات الغاز على المنازل بعد تعبئتها.
وهكذا بالمثابرة والسهر والصدق وحسن المعاملة كسب ثقة الجميع، وفتح الله عليه، فلم يبخل على وطنه ولا على مجتمعه.. فقد قدم الكثير من الدعم المادي والمعنوي والبدني بلا منة ولا جعجعة أو مباهاة.
فأبو زكي رجل بسيط في مظهره، قريب إلى النفس، محبوب من الجميع.. لقد وفى وقدم الكثير لمناطق المملكة من مشاريع خيرية واجتماعية مختلفة. أذكر مثلاً بسيطاً، هو أن الصحف نشرت يوم السبت 25/ 6/ 1432هـ أن وزير الصحة أطلق اسمه على مركز الرعاية الصحية الأولية بمدينة (جلاجل) بمنطقة سدير؛ ليصبح اسمه الجديد (مركز عبدالعزيز بن علي الشويعر للرعاية الصحية بجلاجل). يذكر أن هذا المركز قد شُيّد على نفقة الشيخ الشويعر على مساحة تقدر بـ 25 ألف متر مربع وفق أحدث المنشآت الصحية المتكاملة والعيادات المتخصصة للأطباء الزائرين من سكن مؤثث ومسجد ومسطحات خضراء.
وذكر عميد كلية (خدمة المجتمع والتعليم المستمر) بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالله الرزين ومساعده الدكتور ناصر العود، وهما يستعرضان البرامج التدريبية التي تبنتها الجامعة ونفذتها، سواء لطلبتها أو لمن هم خارجها من أبناء الوطن بالرياض، أو في المناطق الأخرى لمن يدعونهم وهم بصدد التحضير لـ(منتدى الاقتصاد والتدريب)، وحول مشاركة وتجاوب رجال الأعمال مع مثل هذه المشاريع والمنتديات التي تخدم المجتمع، قالا: إنه لم يتجاوب معهم سوى رجل الأعمال عبدالعزيز العلي الشويعر الذي دعم وشارك في هذه الدورات التدريبية بتقديم التسهيلات، سواء في مكان إقامتها أو بدفع تكاليفها المادية.
وبلمحة سريعة أعود إلى بداياته منذ الولادة والطفولة: فقد وُلد في مدينة (جلاجل) بمنطقة سدير وسط المملكة العربية السعودية بين عامي 55 - 1358هـ؛ إذ إن سجل مدرسة شقراء الابتدائية يذكر أنه من مواليد 1355هـ، بينما حفيظة النفوس (الهوية الوطنية) تقول إنه وُلد عام 1358هـ؛ إذ لا يوجد سجل يرصد مواليد هذه الفترة. عاش طفولته في أسرة فلاحية محافظة. عندما بلغ السابعة من عمره التحق بمدرسة محمد بن عبدالرحمن بن ربيعة المعروف بابن حماد، إمام مجد باب البر بجلاجل، فتعلم الحروف الهجائية، وحفظ قصار السور، حتى افتتحت أول مدرسة حكومية ابتدائية عام 1368هـ فالتحق بها. ولكون مستواها متواضعاً لتواضع مستوى مدرسيها فقد انتقل مع أحد أعمامه إلى شقراء حيث يقيم الكثير من عائلة (الشويعر) هناك، وواسطة نقله الجمل لعدم توفر السيارات وقتها. أقام بشقراء أربع سنوات، وهي فترة إكماله الدراسة في المرحلة الابتدائية.
هو لا ينسى أن هذه الفترة من أجمل فترات حياته، ولا يفتأ يذكر ويشكر عمه سعد بن عبدالله الشويعر - رحمه الله - الذي كان السبب في مجيئه لشقراء واستضافته له لعام دراسي كامل، وبعده انتقل لمنزل عمه عبدالله بن محمد الشويعر وزوجته الفاضلة سارة بنت عبدالرحمن الربيع اللذين أولياه كل عناية، وغمراه بالرعاية والعطف، وتوج ذلك باقترانه بالزواج من ابنتهما هيلة.
هو لا ينسى أساتذته وزملاءه؛ فنجده يذكرهم فرداً فرداً، وبالذات أستاذه الذي تلقاه واختبره ليحدد مستواه، وهو عبدالرحمن العبدالكريم (أبو عبدالمجيد) الذي وجهه للسنة الثالثة الابتدائية.
وفي عام 1372هـ أكمل مرحلة الدراسة الابتدائية في شقراء ليعود لجلاجل، ومنها للرياض للدراسة في المعهد العلمي مستهل عام 1373هـ. ومع ذكره أسماء أساتذته وزملائه الطلاب نجده لظروف عائلية يقطع دراسته للعودة إلى جلاجل لرعاية والدته بحكم ظروفها الصحية، والتقدم لوظيفة مساعد مدير مدرسة جلاجل الابتدائية حتى أواخر عام 1376هـ حيث انتقل لإدارة مدرسة روضة سدير وإدارة معهد المعلمين الذي افتتح في العام التالي. وفي عام 1379هـ أنهى خدمته في وزارة المعارف، والتحق بديوان المراقبة العامة بعد إجراء مسابقة تقدم لها عدد كبير، وكان من بين الناجحين بوظيفة مراجع حسابات بالمرتبة السادسة بدل المرتبة التي كان يشغلها بوزارة المعارف، وبزيادة مائتي ريال بالراتب الشهري، وداخل دراسته الليلة لينال شهادة الدراسة المتوسطة، وفي العام التالي الشهادة الثانوية (نظام ثلاث سنوات).
وكان ينوي مواصلة الدراسة منتسباً بالجامعة لولا ظروف قاهرة حالت دون ذلك.
عمل في ديوان المراقبة العامة أربعة عشر عاماً من صفر 1379هـ حتى شوال 1392هـ، ثم عمل في مجال العمل الحر، وبالذات سوق العقار بحكم تجربته وعدم حاجته لرأس مال، إضافة لما سمي بفترة الطفرة التي بدأ العقار فيها بالارتفاع. وهكذا بدأ باستئجار دكان باسم والده، وآخر صغير بإيجار 400 ريال في السنة لبيع البرسيم، وثالث لبيع أسطوانات الغاز للأهالي بعد تعبئتها من الشركة. يُذكر أنه قد مرت أزمة في هذا الوقت وشح في الغاز؛ ولهذا نجده يذهب فجر كل يوم من أيام الشتاء لمقر الشركة؛ ليأخذ دوره لتعبئة الأسطوانات، والعودة بها مملوءة لتوزيعها في المساء على المنازل في حي الملز بمساعدة والده - رحمه الله - بدأ بالعقار كوسيط مقابل أتعاب، يأخذها كعمولة بنسبة من الإيجار 5 %، وعلى المنازل المؤجرة 2.5 % على المباع، وبدأ يستدين ويشتري ويبيع بعض القطع الصغيرة، ثم يبيعها بأرباح متواضعة؛ ما شجعه على كبار المستثمرين في العقار، وعلى رأسهم الشيخ عبدالعزيز الموسى - رحمه الله - الذي لا يزال يذكره ويشكره في كل مناسبة، ويدعو له بالرحمة والمغفرة، كما يشيد ويذكر بإجلال قريبه وصديقه وخال أبنائه عبدالرحمن بن عبدالله الشويعر الذي امتدت علاقته به منذ الطفولة حتى اليوم؛ فهو ابن عمه ورفيق دربه حتى اليوم.