أمّا فلسفة الأخلاق فلا نجد في الفلسفة المصرية القديمة إلا الشيء القليل عنها؛ ذلك أن الكهنة -كما يؤكد ديورانت في قصة الحضارة- قد صرفوا كلَّ همهم إلى بيع الرقى والعزائم، وأداء المراسيم والطقوس السحرية، فلم يجدوا متسعًا من الوقت لتعليم الناس المبادئ الخلقية. بل إنّ كتاب قصة الموتى نفسه ليعلم المؤمنين أن الرقى التي باركها الكهنة تتغلب على جميع ما عساه أن يعترض روح الميت من صعاب في طريقها إلى دار السلام.
ومن ذلك القليل حول (فلسفة الأخلاق) يحسن بنا أن نشير -كنموذج فريد- إلى كتاب الوزير (بتاح حوتب) كبير وزراء الملك في أيام الأسرة الخامسة. فبعد أن كبر هذا الوزير وترك عمله، أراد أن يعلّم ابنه الحكم والأخلاق، فألّفَ كتابًا وضع فيه الكثير من النصائح الأخلاقية.
يقول الوزير في مقدمة كتابه: «إنّ حياتي تقتربُ من آخرها، ولقد حلَّ بي الضعف وعدتُ إلى مرحلة الطفولة الثانية؛ والمسنّ يلاقي البؤس في كلِّ يوم من أيامه. فعيناه صغيرتان، وأذناه لا تستمعان؛ ونشاطه يقل، وقلبه لا يعرف الراحة».
ثم يبدأ في ينصح ولده بقوله: «لا تَزهُ بنفسك لأنك عالم، بل تحدّث إلى الجاهل كما تتحدث إلى الحكيم؛ لأن الحذق لا حد له، كما أن الصانع لا يبلغ حدَّ الكمال في حذق صناعته؛ والكلام الجميل أندر من الزمرد الذي تعثر عليه بين الحصى.. واحذرْ أن تخلق لنفسك الأعداء بأقوالك.. ولا تتخطى الحق، ولا تكرّر ما قاله إنسان غيرك، أميرًا كان أو فلاحًا ليفتح به قلوب الناس، لأن ذلك بغيض إلى النفس.. وإذا أردتَ أن تكون حكيمًا فليولد لك ولدٌ لتسرّ بذلك الآلهة، فإذا سار في سبيله مقتديًا بك، وإذا نظم أمورك على أحسن وجه، فقدّم له كلَّ الخير.. أما إذا كان عديم المبالاة، وخالف قواعد السلوك الطيب، وكان عنيفاً؛ وإذا كان كل ما يخرج من فيه هو فحش القول، فاضربه، حتى يكون حديثه صالحاً.. وإذا كنت ذا سلطان فاسع لأن تنال الشرف عن طريق العلم ورقة الطباع.. واحذر أن تقاطع الناس، وأن تجيب عن الأقوال بحرارة، ابعدْ ذلك عنك، وسيطر على نفسك».
أما الطقوس الدينية اليومية التي كان يمارسها الناس في الكثير من معابد مصر القديمة، فتبدأ – كما يقول جفري بارندر في كتابه النفيس: المعتقدات الدينية لدى الشعوب- بتطهّر الكاهن في البحيرة المقدّسة القائمة بجوار المعبد، وعندما يدخل المعبد نفسه يوقد نارًا ويعد مبخرة مزودة بالفحم والبخور؛ ثم يتجه نحو تمثال الإله في المحراب الداخليّ. وبعد السجود والركوع وتقديم القرابين الواجبة يُجرّد تمثال الإله من ثيابه، ويطهّره ويزينه بثياب وشارات مناسبة. ويعقب ذلك إقامة مأدبة مقدّسة قبل أن يوضع التمثال مرة أخرى في هيكله.
كما توجد طقوس دينية متميزة تقام في (أعياد فرعون) أو أعياد الآلهة; ففي عيد الملك اليوبيلي المسمّى «سد» مثلا، يعاد الاحتفال الطقسي الذي تمّ فيه توحيد الوجهين في مصر على يد الملك مينا، ويصل الاحتفال إلى ذروته برقصة يؤديها الملك وهو يرتدي تنورة قصيرة يعلّق بها من الخلف ذيل حيوان. وقد كانت المسيرة أو الموكب أو (ظهور الإله) مظهرًا ملفتا للنظر في الاحتفال بأعياد الآلهة، إذ يحمل فيه الكاهن تماثيل الآلهة إلى أماكن أخرى مقدّسة كي تزور آلهة أخرى أو تقوم بأداء دور في قصة أسطورية ترتبط بهذه الأماكن.
ونختم بموضوع (العبادة الجنسية) في مصر القديمة، فقد كان المصريون يقدّسون المعز والعجل تقديسًا خاصًا ويعدونهما رمز القدرة الجنسية الخالقة. ولم يكونا مجرد رمزين للإله أوزير، بل كانا تجسيداً له. وكثيراً ما كان «أوزير» يُرسم بأعضاء تناسلية كبيرة بارزة، دلالة على قوته العظمى، وكان المصريون القدماء في المواكب الدينية يحملون له نماذج بهذه الصورة الرمزية.
- وائل القاسم