د.ثريا العريض
الحمد لله لسنا في دول الخليج مهددين بأخطار الطبيعية في موقع جغرافي متقلقل الأجواء، ولو أننا مطلعون منذ الطفولة عن تفاصيل الكوارث الإنسانية التاريخية بسبب مفاجآت الطبيعة وآثار الحروب والنزاعات. وكتبنا الدينية مليئة بتفاصيل الكوارث التي حلت بالشعوب وعزي معظمها إلى آثام البشر وخروجهم عن الفطرة السليمة. حمانا الله من كل شر. وقد شكلت الكتب الدينية والتسجيلات التاريخية مصدرًا ثريًا للإبداع الأدبي والسينمائي والفن التشكيلي لتوضيح الأحداث في تاريخ البشرية وتفاصيلها.
في صغري كنت أذهب إلى دور السينما في البحرين بصحبة والدي لمشاهدة الأفلام. وكانت الأفلام التاريخية والدينية وبعض الاجتماعية هي المفضلة خاصة تلك التي بها أدوار بطولة للصغار. ولأنه -رحمه الله- كان يتقن عدة لغات فقد أتيحت لي متابعة أشهر الأفلام الشرقية والغربية.
الأفلام الدينية والتاريخية أتاحت لي لاحقًا مقارنة كيف تقدم الأحداث ذاتها بتفسيرات وتفاصيل مختلفة مثل: الطوفان وسفينة نوح وحياة سيدنا موسى والمسيح وظهور وانتشار الإسلام والرسالة وكذلك الماهابهاراتا والفيدا وحياة بوذا.
معظم الأفلام الأجنبية كانت مستقاة من الروايات العالمية مثل سبارتاكوس، والدكتور زيفاجو، وجين أير، ووداعًا يا سلاحي، بعضها مخصص للأطفال مثل طرزان وكتاب الأدغال. أما الأفلام الهندية فكانت رومانسية الطابع مستقاة من تاريخهم مثل تاج محل والهند أمنا.
لاحظت بعد فترة أن كثيرًا من الأفلام تحتوي قصصًا تدور حول الأحداث نتيجة للكوارث الطبيعية مثل الطوفان والزلازل وتتناول معاناة الأطفال الذين يفترقون عن أسرهم بسبب الكارثة. وفي الغالب يلتقي الأقارب بعد سنين ليكتشف الضابط أن المجرم الذي كلف بمطاردته هو أخوه التوأم أو يكتشف رئيس العصابة أن من يحاول سرقة قصره هو أبوه. وتبهر الرواية بكثير من الخوارق البشرية لتصبح من أفلام الآكشن سواء كان البطل عنترة أو مهيتارام الهندي. كنت أجد في الأمر مفارقات ومبالغات لا يتقبلها العقل.. ما يجعلنا نصنف كل تكاذيب أو تهاويل في قصة ما بأنها فيلم هندي.
ولكن تلك الأفلام التي عرضت علينا في المدرسة عن ظهور الإسلام وانتشار الإسلام كانت أكثر توضيحًا لي ولزميلاتي في المرحلة الابتدائية عن تغيير السائد الاجتماعي بفعل إصلاحي، وعما جرى للمسلمين الأوائل من معاناة، وإصرارهم على التمسك بالدين.
والأفلام السينمائية وعروض المتاحف التاريخية والطبيعية، ومعارض الفنون التشكيلية، والمسارح التي زرتها في رحلات العائلة علمتني من تاريخ الحضارة البشرية ومنجزاتها ومعاناتها أكثر مما حواه كل منهج التاريخ والجغرافيا التقليدي.
وفيلم الرسالة كان أشد أثرًا في توضيح معنى قيمة الحرية والتمسك بالهوية من محاضرات البعثيين والمتطرفين لاحقًا.
نعم: نحن بحاجة لتأمل آثار الحضارات التي سبقتنا وما أنتجت لنعرف كيف عاشت وكيف انتهت أو تطورت. ونحن بحاجة لإثراء معلومات صغارنا وكبارنا بمصادر للمعرفة والعلم تتيح لهم رؤية أحداث التاريخ والحاضر ومحاولات بناء المستقبل. ونحن بحاجة أن يكون ذلك تحت مظلة الترفيه الممتع وليس الترويع المرعب.
ليس في فتح مصادر المعلومة ما يخيف، بل كل ما يبني توجهات فعل الخير وترميم ما يحدثه فعل الشر في حياتنا.