يوسف المحيميد
منذ أن وُصف الذين يفتحون الراديو بحضور بناتهم وزوجاتهم بأنهم (سفلة)، وزاد الأمر بوصف من خصص لزوجته أو ابنته جهاز راديو (تفتحه متى شاءت على ما شاءت) بالدياثة والعياذ بالله، مرورًا بالتلفزيون والأطباق الفضائية، وغيرها، ونحن نعاني من هذه النظرة التي أبقتنا لعقود خارج التاريخ، وعطلت مختلف أوجه التنمية والازدهار الاقتصادي أسوة بالدول المحيطة بِنَا، التي ينفر إليها المواطنون بمئات الآلاف، وربما بالملايين، في أوقات الإجازات القصيرة والطويلة، حتى إن مجرد الاحتفال بإجازة اليوم الوطني تجعلهم يسافرون خارج الوطن ليحتفلوا ويستمتعوا بالحياة في الخارج!
أفكر أحيانًا، ماذا لو استجابت الدولة لكل هذه المطالِب القديمة والاحتجاجات المتشددة، ومنعت الشرطة من لباسهم، لأنهم يشابهون الإفرنج في المشية، بالضرب بالرجل على الأرض، ومنعت موسيقى الجيش، وأنصتت للنقاش الساخن بين الطربوش والبرنيطة، ومنعت التصوير الشمسي، ومنعت السياكل، وبالطبع السيارات، لأنها تقود إلى الأماكن الخالية والمشبوهة، وغيرها من المحرمات في ذلك العصر، التي نقرأها الآن فنبتسم بدهشة وغرابة!
ماذا لو مُنعت البرقية والفاكس والكمبيوتر والهاتف المحمول، ماذا لو استمر منع وتحريم جوال الكاميرا كما في عام 2004 (وهي قبل 12 سنة فقط) وبالطبع منع الأجهزة الذكية من بعده، وبقينا على الأجهزة الغبية حتى الآن؟ أحياناً أجزم أننا نبحث عن الحل الأسهل والأسرع تجاه كل آلة جديدة، وهو منعها وتجريم من يتداولها، فبسبب مشكلة تصوير فتاة طريق النهضة تم منع جوال (الباندا) بينما لو كان النظام صارمًا تجاه أي مجرم يعتدي على الآخرين، وينتهك خصوصياتهم وحرياتهم، لما احتجنا منع كل شيء، حتى إننا نضحك على أنفسنا بعد سنوات، قبل أن تضحك الأمم على جهلنا!
كل القضايا المتبقية والعالقة حتى الآن، من دور السينما وقيادة النساء لسياراتهن، وغيرها من القضايا التي جعلتنا مادة يومية ساخرة لصحافة الغرب والشرق، سنضحك منها يومًا، أو قد يأتي أولادنا وأحفادنا من بعدنا، ويسخرون من مطالبنا تلك، ومن يدري، فقد يتداولون مقالي هذا من باب الرثاء لأحوالنا وأحلامنا!
إن كل ما نحتاج إليه هو منح الحريات وصونها بسنِّ القوانين والأنظمة الصارمة، وتطبيقها تمامًا ضد كل من ينتهكها، ويعتدي على حقوق الآخرين، وحرياتهم الشخصية.