أ.د.عثمان بن صالح العامر
ليس للعلمانية وجه واحد يمكن الإجماع عليه والاتفاق حول مضامينه ومفرداته، بل هي تظهر للقارئ المختص ذات وجوه وأجساد متباينة على سطح الكرة الأرضية، أكثر من هذا أرى شخصياً أنّ المصطلح برمّته مصطلحٌ هلاميٌّ بلا معنى محدد محل اتفاق، ولذا صار السَّاسَة يوظفونه بطريقة أو بأخرى من أجل تحقيق مصالحهم التي تقتضي هذا التوظيف، مثله في ذلك مثل كثير من المصطلحات التي سكها الغرب وتلقفناها نحن هنا بالقبول والتسليم والإذعان غالباً.
بناءً على هذه المسلَّمة الواردة أعلاه، فإنني أعتقد أنّ هذا المصطلح المطاطي «العلمانية « وقل الشيء نفسه عن كثير من المصطلحات المتداولة في الحقل السياسي/ الثقافي اليوم كالإرهاب، والإسلام الراديكالي، والشرق الأوسط، وحقوق الإنسان خاصة المرأة والطفل، والخطاب الديني، والقضية الفلسطينية و... ستشهد في عهد ترامب - الرئيس الأمريكي الجديد - وضوحاً صارخاً في ذهنية رجال البيت الأبيض الجدد، وسيتولّد عنها مواجهة علنية على الساحة العالمية، في ظل الرؤية الأمريكية لمنظومة القيم المتولِّدة عن هذه المصطلحات الشائعة، ولذلك يتوجب على المثقف العربي إعادة قراءة سلسلة هذه المصطلحات من وجهة نظر المدرسة الرأسمالية/ البراجماتية، التي لا تعترف إلا بوشائج العلاقات القائمة على المصلحة المادية الصرفة، ومن ثم تحليل هذه المفردات والقيم، والتشاور حول كيفية احتوائها والتعامل معها بطريقة ذكية، تجنبناً سياسياً ومجتمعياً وفكرياً المواجهة والصدام القيمي الذي قد يجرّ وراءه تبعات لم يحسب لها حساب.
ولعل مما أراه هنا أن تنشط مراكز قياس الرأي العام، التي من وكدها إظهار توجّه الشارع السعودي إزاء بعض القضايا العالقة المصنّفة في خانة السلبيات، الموصوم بها ساسة ومفكرو وعلماء بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية، فالديمقراطية التي يتغنون بها هي من يقدس الرأي المجتمعي، ويعترف بوجوب الانقياد لرغبة الأكثرية، هذا إن صدقوا في هذا الادعاء، كما أنّ من المهم في نظري أن يبرز الجانب الأخلاقي/ الإنساني في الدين الإسلامي بشكل قوي، ويدعى له عالمياً بلغة سهلة وميسرة يفهمها الكل ويرحب بها الجميع، أكثر من هذا يجب أن ننشط في البحث عن المشترك الإنساني ونفيض في الحديث عنه من منطلق إسلامي سلفي وسطي على الحقيقية لا التمني ، ونشارك بفاعلية في صناعة الحضارة الإنسانية العالمية اليوم بعقول أبنائنا وسواعدهم الفتية ، ومن الأمور التي تستحق الذِّكر هنا أن يتجه الخطاب الديني إلى الجماعية بدل الفردية، سواء في الفتوى أو المواقف المعلنة إزاء ما يستجد من قضايا ونوازل معاصرة تحتاج إلى اجتهاد، فضلاً عن محاولة تجنب ما قد يوظف بطريقة أو بأخرى من قِبل الأعداء وطابورهم الخامس، بوصم خطابنا الديني بأنه مولّد للتطرف ومغذٍّ للإرهاب جراء المقارنة بالمفردات دون التعمُّق بالمضامين ودراسة جوانب الاختلاف.
أعلم أنّ هذا الأمر قد يزعج البعض، وربما يضايق آخرين، ولكن شئنا أم أبينا فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرحلة من التاريخ لها اليد الطُّولى في تحريك السياسة العالمية، وهذا طبعاً بعلم من الله وتحت مشيئته وإرادته، ولذا كان لزاماً إدراك طبيعة المرحلة ومعرفة كيفية التعامل معها وحسن الاستعداد لها، حتى يرفع العلماء والمفكرون والمثقفون والكتّاب والخطباء والمغرِّدون و... عن قادة بلادنا وساستنا الحرج والعنت، ونقي وطننا المملكة العربية السعودية ما يسوّق له البعض هنا وهناك من نعوت وأوصاف ليست سوى أكاذيب واتهامات، ولا يعني هذا أنني أتبنّى دعوة الانسلاخ من الدين أو تعطيل أحكام الشريعة الغراء - لا سمح الله -، ولكن لعلنا نتجنب الخوض في المسكوت عنه، وندلل حين سوق الأحكام، ونبين الموقف الشرعي الصحيح والواضح في المسائل التي هي محل الخلاف، ونبرز الممانعة المجتمعية في قضايانا الداخلية بكل مصداقية ووضوح، ونعرّف بنا مَن نحن (عقيدة وشريعة وأخلاقًا) بخطاب علمي مدروس لا حماسي عاطفي مرتجل .. دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.