د. خيرية السقاف
دعاؤها يصك الآذان من هول الفجيعة..
حزنها يفطر القلوب من فرط الحسرة..
غضبها يشطر جزيئات العقل في الرائي السامع من عمق المصيبة..
والرجفة الخائفة من غضب الله ترتعد لها كل الأعماق..
لله ما أشدها فاجعة حين يأخذ الأبناء بأُمهم المقعدة إلى دور المسنين, وهي تصرخ, وتدعو, متذمِّرة ساخطة في درك خيبتها غارقة !!
تستنجد بالله القوي, تناشده الحسيب عليهم،
ضعيفة لا حيلة لها، عاجزة لا قوة تقيمها, خائبة تتساقط بين عينيها السنون مذ كانوا نطفة في أحشائها، وخُدَّجا بين يديها, وصغاراً كبروا على قوت رحمتها، سهرها, وجهد كفّيها, ويقظة عينيها, ولهفة مشاعرها,
نسيت مرضها وشدّت أزرها بأحلامها بهم, وقوي اطمئنانها بوجودهم, فخيّبوها, وذروا بأحلامها وعطائها في الهواء..
نسوا إيثارها من أجلهم, وخوفها عليهم, فرحها بهم, وحزنها شفقة عليهم, تعبها لراحتهم, وبذلها لسعادتهم..
نسوا دمها الذي يسري في عروقهم, وحضنها الذي آواهم من برد قارس, وشمس حارقة, ومرض داهم, وجوع حارق, وعطش صادي...
« حسبي الله ونعم الوكيل عليكم, الله ينتقم لي من عاقين الوالدين» يا الله من هول هذا..
لا حول ولا قوة إلاّ بك ربّ
كيف لا يفزع ابن وهو يسمع هذا الدعاء عليه من أُمه ..؟!
ما الذي يدفع ابناً أن يصيخ سمعه, ويغلق مسارب الحس فيه, ويطمس على وعيه في لحظة كهذه تغضب الرب, وتسقط الإنسانية في تردٍّ عميق, وتغرق الأمومة في وحل الفجيعة والعقوق..؟!
ندري أنّ هناك أنظمة تحيل العاق للعقوبة، تلك عقوبة دنيوية..,
فما أعظمها عقوبة الرب يوم الحساب..
ترى، ألا يكفّ المؤلمون لنا عن إيذائنا بنقل مثل هذه المواقف الصادمة الحارقة..؟
هذه التي ينبغي أن تكون مادة خصبة لعودة جميع مؤسسات المجتمع والأفراد إلى صياغة تربية أبوية على يقين بحدود العلاقة, وحلقاتها, ودرجاتها, ومفاصلها, ومثوباتها, وجزاءاتها..
لأنّ هناك في المجتمع هوّة واقعة تتمادى بقوة في انشطاراتها المختلفة, تطوح بأُسس مهمة في التربية, بل في التعليم, بل في الجانب الأهم وهو الدين..
إنّ المقطع الذي نشرته المواقع الإخبارية الإلكترونية, وبثته مواقع التواصل صباح أمس لشباب وأُمهم عند مدخل جهة إيوائية وهي تدعو عليهم, ويحاولون إسكاتها بالاعتداء عليها, فيفصل بينهم رجال الأمن أن تذكرهم بل توقظهم لهذا, فهي صورة بالغة في الإيذاء, مفرطة في الحزن, لا تقرّها الأخلاق, ولا يرتضيها إنسان, فكيف وقد ورد تقنين العلاقة بين الأم، والابن بمحكم التنزيل, وسنّة التبليغ فتكون الأُم باباً للجنة أو النار..
لا ينبغي أن يحدث هذا في مجتمعنا مهما اختلفت الأسباب, لا وجود للمبررات..
وليس من شك أنه ينتظر أن يواجه هؤلاء العاقين أشد العقوبات.