إبراهيم عبدالله العمار
ماذا تفعل لو شتمك أحدهم وقال لك أنه يسبك لأنه يحبك؟
ماذا لو أُهديتَ صحناً مليئاً بالطين وقال المُهدي: تذوقه، إن الطين طيب.
ماذا لو نظر أحدهم لثوبٍ أسود وقال: ما أشدَّ بياضه!
لكن مثل هذه الأشياء حدثت، وتحدث، وستحدث إلى الأبد!
ليس تلك الأشياء بعينها، وإنما أن يكون الخَبَث طيّباً والطيب خبثاً في أعين بعض الناس. هذا ما لن يتوقف البشر عن فعله.
الغالب أن يُقدم شخص على عملٍ فاسد وهو يعلم فساده. لعل الغضب أعماه فشتم أحداً، فيندم. أو غلبته الشهوة فيتوب. أو اضطر أن يتجاوز في شؤون مالية بسبب الفقر حتى إذا زالت الظروف عاد لنفسه وعوّض المظلومين واستغفر مما كان. لكن لا أعرف شيئاً أسوأ ممن يقترف الأعمال الفاسدة وهو يراها شيئاً طيباً.
لا أعرف أسوأ من أن يحارب أحدهم الحشمة وهو يظن أنه يتبع هدي الرسول. أو أن ينادي بتجاهل الإرث الإسلامي واتباع سبيل الغرب وفي عقله أنه ينقذ أمته من تخلفها. «أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا».
إنه عمىً ليس كالعمى. أعينٌ ترى بوضوح شعيعات خافتة في ضباب لندن لكن عَمِيَت عن شمس الحق الإلهي.
«كيف بكم لو رأيتم الحق باطلاً والباطل حقاً؟»، قالها رسول الله عليه الصلاة والسلام فيسأله الصحابة باستغراب: «ويكون هذا يا رسول الله؟». نعم ، وقد كان. في أول القرن الماضي دعا داعٍ إلى علمنة بلاد الإسلام فقال: «لا بد أن نأخذ بحضارة الأوروبيين، حتى النجاسات التي في أمعائهم والأوبئة التي في أكبادهم». قالها وقد انبهر بالغرب حتى سَكِر، وفي قرارة نفسه ربما يظن أن هذا هو الخير لأمته! وأشباهه كثيرون اليوم، ومعنى خطابهم نفسه، ربما يظنون أنهم يفعلون الخير عندما يدعون للتشبه بالغربيين، ليس في العلم والآداب الطيبة ولكن في نبذ الحجاب وإقصاء الشرع ومحاربة الدين، ومن يتابع هؤلاء سيرى اللهاث وراء قضايا المرأة بشكلٍ مدهش، لكن تجاهل شبه تام للتقنية الغربية وأساليب التعليم والصحة النفسية والتطور العلمي والأشياء النافعة فعلاً، متناسين أن من أسباب نهضة الغرب التخلص من حكم الكنيسة، بينما لم ينهض المسلمون إلا لما اعتنقوا دين الله، أي العكس تماماً.
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ).
خطّ حياةٍ أسْود، يقضي وقته وجهده وماله في الإفساد، لكن الضمير مرتاح، فهو يظن أنه على حق. أهناك ما هو أبشع من هذا؟