غسان محمد علوان
يأبى الوسط الرياضي أن يمرر أي قضية بطريقة طبيعية، وإنزال الأمور منازلها الصحيحة دون تضخيم وتهديد وتشكيك ووعيد. من يرى المشهد الإعلامي لدينا، يعتقد أن قضايانا فريدة من نوعها، أو أنها سوابق تاريخية لم ولن تمر على غيرنا. الوسط الرياضي حاليًا، وفي فترة قصيرة جدًا، يكاد إعلامه يجن، فعلاً لا قولاً. ففي فترة انتخابات رئاسة، رأينا تجييشًا لم يسبق له نظير، وتشكيك في الفائز بالمنصب، وجزمٌ بفشله قبل أن يبدأ، ومراهنة على عدم استقلاليته قبل أن يُختبر، ودعوات بالترحم على روح رياضة وطن تسعى وبشكل حثيث إن تتخلص من أعباء الماضي، وتلبس ثوب التطور والحداثة ولو من باب التغيير.
بعد ذلك، رأينا جنونًا حقيقيًا بالتعاطي مع تأجيل مباراة دورية أولمبية، واتهامات مباشرة بالمحاباة، مقرونة بتعمد إخفاء بقية القصة التي توضح وبجلاء، أن هناك أكثر من لقاء تم تأجيله في تلك الجولة، إضافة لطلب تأجيل لقاء آخر في الجولة التي تليها.
والآن نعيش تفاصيل قضيتي إيلتون والعويس، وسط غليان مرعب يهدد بالإطاحة بكل شيء. وينذر بتقويض أي شيء يخص الاحتراف وقوانينه. فالأولى قضية للاعب محترف أجنبي، غادر فريقه السابق بمشكلة تعاقدية، ويسعى للعودة لدورينا عن طريق فريق آخر. والثانية، مجرد تنافس على انتقال لاعب دولي شارف عقده على الانتهاء مع فريقه السابق. قضيتان طبيعيتان من الممكن أن تحدث في أي مكان وفي أي وقت. فما الحل لهما؟
(القوانين) ولا شيء غيرها هي الفيصل في كل ما يحصل. فالقوانين هي الحلقة الأقوى في كل نزاع، والضابط الوحيد لكل نزاع أو اختلاف. والمشكلة الحقيقية التي تواجه إعلامنا في التعاطي مع القضايا وقوانينها ونصوصها، تكمن في عدم الاطلاع عليها أولاً، ثم التعامل معها بحدود عدم المتخصص فقط.
فأي قانون، تتم كتابته بشكل يسهل على أي مطلع عليه، أن يفهم فحواه، والخطوط العريضة له. ومن هنا يتم التعامل معه بالبعد عن المحظور المذكور فيه، تجنبًا للعقوبة المذكورة فيه. هنا وهنا فقط، يجب على الإعلامي (غير المتخصص قانونيًا) أن يقف ولا يخطو خطوة واحدة بعد ذلك. فما بعد ذلك من مراحل قانونية، كفهم المعطيات التي تجعل النص قابلاً للتطبيق، أو القوانين الأخرى التي تقوّض حكمًا ما، أو تنسخ نصًا ما، هي من صميم عمل المختصين فقط. لكن الحاصل أن كل من يتعاطى مع القضية (أي قضية)، ينظر إليها من زاوية ميوله فقط، ثم يزبد ويرعد، ويتهم ويشكك، أو يبارك ويتغنى. بمعنى آخر: إن كان القانون في صفي وموافقًا لرأيي الذي تحكمه ميولي، فأهلاً وسهلاً به. وإن كان غير ذلك، فهي مؤامرة دبرت بليل، وكل شياطين الرياضة قد اتحدت للوقوف في طريق فريقي المفضل.
الجو العام في الوسط الرياضي لم يعد صحيًا إطلاقًا، والكفاءات المختلفة التي تسعى للدخول فيه رغبة في تحويله لصناعة حقيقية، بدأت في النفور منه وإبعاد الفكرة تمامًا عن عقولها.
النظام ثم النظام ثم النظام. هو كل ما يطلبه المحب العاشق للرياضة، إخلاصًا لعشقه. فتطبيقه على الجميع وبكل قوة وجرأة، سيزيد من صراخ المتأزمين، ولكنه بلا شك سبيل لإخراسهم مستقبلاً.
فهل نرى ذلك مستقبلاً؟ إنا لمنتظرون.