أمل بنت فهد
ما أكثر الحديث عن التسامح.. وأكثر منه اختلاف البشر حين يمارسون التسامح.. بداية من التنظير.. وكيف أن التسامح ضروري للتعايش.. إلى أن يتحطم كل ما قيل على صخرة التطبيق.. وصعوبة التعامل مع جرح نازف.. يأبى التوقف.. ووجع ممتد فقد ذاكرة الانتهاء.. وحين يصطدم بتراكمات الثقافة.. والعادات.. والموروث.. والتجارب.. فالتسامح كغيره من بديهيات الحياة.. رغم بساطة شرحه.. تبدأ صعوبته حين نتعامل معه.. ونحاول أن نعيشه واقعاً.. لا شك أن الحديث أسهل من الفعل.. رغم أن بعض الأحاديث من الصعوبة أن نبوح بها دون أن نتعثر في أثرها.. خصوصاً إن كانت عن مشاعر عميقة ومعقدة.
أحياناً لا تسعفك الكلمات.. وأحياناً تبقى عالقة كغصة.. وأحياناً تتوارى خلف حكم مسبق.. وتظن أن كلماتك فقدت توقيتها.. ويكون الصمت اختيارا وحيدا.
إن لم تعرف كيف تسامح نفسك.. لن تعرف كيف تسامح الآخرين.. ولن تعرف كيف تتحرر من ماضيك فعلياً.. ولأنك غالباً سوف تسأل.. على ماذا أسامح نفسي تحديداً؟
لنفترض أن شخصاً تحبه جداً.. ويهمك جداً.. أتاك باكياً وشاكياً حاله.. ويصف لك خطأ وقع فيه.. ويحكي عن شعوره بالخزي.. أو الندم.. أو الإحراج.. أو الغضب.. أي شعور مؤذ يقاسي ويلاته.. ماذا ستقول له؟ خصوصاً وهو الحبيب الذي تفديه بأغلى ما تملك!
قطعاً ستشعر بحنان يفر من صدرك ويحتويه.. وتشعر بألمه وتحاول أن تساعده ليتخطى عثرته.. لأنك تحبه.. وتخاف عليه.. لذا فأنت تقف بجانبه وتسانده.
فلماذا لا تتسامح مع تقصير نفسك ذات غفلة.. وعن ضعفها في موقف ما.. وتغفر لها ما كان منها.. سواء كانت حماقة.. أو غباء.. أو زللا.. أو تجاهلا.. أو سوء تقدير.. أو ثقة في غير محلها.. أو تهورا!
الغضب الذي تراكمه ضد نفسك لا يذهب.. ولا ينصهر.. ولا يغيب.. إنه السر الذي حفظته كالسم في داخلك.. فماذا تنتظر من نفس يثقلها اللوم.. أو نفس تعيش بعقيدة الخطيئة.. أو نفس تعدد أخطاءها الماضية كتعويذة.. ترفق بنفسك واعلم أنها حين تصرفت على نحو غير مرض.. كانت تفعل أفضل ما في وسعها.. بحسب وضعها.. ومكانها.. وقدراتها.. سامحها لأنها لم تفعل ما أردته تحديداً.. سامحها لأنها أخطأت الهدف.. سامحها لأنها لم تكن قوية بما يكفي.. حررها من عبودية الخطأ.. واحترم ضعفك.. كما تحترم قوتك.. سامحها كما تسامح صغارك حين يخطئون.. تبلغهم مكمن الخطر.. ولا تتوقف عن حبهم.. وتنسى ما كان منهم.. نعم نفسك كطفلك.. اعتقها من قسوة اللوم.. تعفيك من التعقيد.