عماد المديفر
أفرجت الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA في اليوم الأخير لولاية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وقبل سويعات من تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة الرئاسة، أفرجت عن 49 من الوثائق السرية التي وجدتها في وكر الإرهابي الهالك أسامة بن لادن في أبوت أباد، والتي كشفت السياسات العامة لتنظيم القاعدة الإرهابي.. بما فيها اهتمامه الكبير بالعمل الدعوي والإعلامي والفكري وجمع الأموال داخل الدول العربية والخليجية على وجه الخصوص باسم «المجاعة في الصومال ودعم المستضعفين»، كما كشفت عن آلية بعض الأعمال اللوجستية.. بخلاف اهتمام التنظيم بالعمل العسكري والتفجيرات الإرهابية وأعمال الاغتيالات وخلافها.. وأوضحت بشكل جلي أن لهذا التنظيم انتشارا كبيرا وتواصلا حول العالم، وأن له ارتباطات بشكل أو بآخر بجماعات وتنظيمات وشخصيات «إسلاموية».. كـ»الإخوان المسلمين» و»السرورية» و»الدعوة والتبليغ».. ونظام «علي عبدالله صالح»..
وكان من اللافت في هذه الوثائق ورود أسماء لشخصيات ورموز دعوية وفكرية وتنظيرية «إسلاموية» سعودية وخليجية ويمنية.. إذ وردت أسماء «عبدالله النفيسي» و«حامد العلي» و»الزنداني» و«ناصر الفهد» و«عبدالعزيز الجربوع» وشخصيات سعودية أخرى كـ«سلمان العودة».. كما كشفت اهتماماً بالغاً بنشر كتب وأفكار المفكر الإخواني المصري الأشعري «محمد قطب الشاذلي» -شقيق منظر الجماعات الإرهابية «سيد قطب»- وخاصة كتبه حول «الجهاد الواقعي» و«فقه الواقع» و«الإيمان»، وهو الذي - أي محمد قطب- أمضى قرابة الـ(50) عاماً في السعودية معلماً وداعية ومحاضراً ومشرفاً على الأقسام والأطروحات «العلمية» و «المناهج الدينية» في المملكة، ومُخرِّجاً لعدد كبير من رموز ما يسمى بـ»الصحوة» وفي مقدمهم «سفر الحوالي» منظر الرؤية السياسية بما في ذلك «السياسة الخارجية» و«العداء للغرب» و»للولايات المتحدة» لجيل ما يسمى بـ«الصحوة» كما في كتابه الشهير «وعد كسنجر».. كما برز بشكل واضح ذلك الارتباط بنظام الملالي في طهران، الذي تجاوز الاختلاف المذهبي في سبيل الاتفاق على «النفس الثوري الإسلامي العالمي» والتوافق الآيدلوجي والسياسي في توظيف «القضية الفلسطينية» وفي تصورات «الحلفاء» و «الأعداء» و«الحاكمية» و«الحكومة الإسلامية» و«الجهاد» و«المقاومة» و«قتال المرتدين» و«العدو الأكبر» أو«الشيطان الأكبر» وسلطة «الأمير» أو«الولي الفقيه» و«عمالة الحكام العرب» وضرورة «إسقاط الحكومات العربية» لإقامة «الحكومة الإسلامية» تمهيداً لقيام «الخلافة الإسلامية» أو خروج «المهدي المنتظر».
كما كشفت الوثائق أن هذا التنظيم ليس بالتنظيم الإرهابي العفوي أو المنقطع أو المعزول عن الحراك الشعبي داخل الدول العربية والإسلامية.. بل له خلايا كامنة في العديد من الدول العربية، بما في ذلك الدولة المستهدفة الرئيس «المملكة العربية السعودية» والتي أبرزت الوثائق ما لاستهداف المملكة من أهمية قصوى ودرجة عليا في سلم أولويات التنظيم الإرهابي العالمي، حيث صدرت التوجيهات باستهداف وقتل «الكتاب» و«الصحفيين» السعوديين الذين وصفوا بـ«الزنادقة»، و»استهداف كبار أركان الدولة» كونهم «مرتدون» وأن «التوقيت متروك للإخوة»! مع أهمية أخذ الاحتياطات اللازمة لحماية وعدم ظهور أو تورط القيادات والصف الأول من هذه الخلايا الإرهابية النائمة داخل المملكة و«أن تكون القيادة في مأمن عن قبضة الحاكم» و«أن تكون هناك قيادات احتياطية سواء عامة أو ميدانية». كما برز ركوب التنظيم الإرهابي لموجة «حقوق الإنسان» وتوجيهه لعملائه في الداخل بإثارة موضوعات كـ«ما يخرج من أرضنا من نفط» ورغم ذلك «نعيش في ذيل الأمم يعتدى على مقدساتنا ونعاني الفقر والبطالة» واللفظ للتنظيم.. وموضوعات كـ«السجون» والتوجيه أن «نبسط هذه الموضوعات وندع الناس تتكلم» في اشارة لإثارة الرأي العام الشعبي ضد الدولة ولخلق شرخ في العلاقة وجو من عدم الثقة بين الشعب والقيادة لإضعاف الدولة من داخلها. وهو بالضبط ما يلتقي وأجندة نظام الملالي في طهران.
كما تلتقي أجندة القاعدة مع أجندة نظام الملالي أيضاً في العمل على تحقيق أهداف التنظيم الرئيسة المتمثلة في نقطتين متتابعتين ومتلازمتين ومترابطتين بحسب أدبيات التنظيم والتي شددت على موضوع التراتبية والتوقيت؛ تمثلت الأولى بإبعاد الولايات المتحدة عن منطقة الشرق الأوسط وتخريب علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية بشتى السبل والوسائل بما فيها بث روح الكراهية ضدها، و«مواصلة استهدافها» و «استنزافها المباشر» حتى «تنكسر وتضعف عن التدخل في شؤون العالم الإسلامي وبعد هذه المرحلة تكون مرحلة إسقاط الحكام» و أن «استهداف أمريكا ليس لذاته وإنما لإسقاط الدول العربية» ولـ»تتابع المراحل المؤدية لقيام الخلافة الإسلامية»..
هذه الحزمة من الوثائق المفرج عنها تعتبر الدفعة الرابعة من وثائق «أبوت أباد» التي ترفع عنها السرية «جزئياً».. حيث بقيت العديد من الصفحات والأسماء والبيانات محجوبة حتى في نفس هذه الوثائق.. فنجد مثلاً أن في بعضها صفحات مشطوبة.. والبعض الآخر صفحات «فارغة» أو جداول بيانات خالية.. أي أن هناك العديد من المعلومات التي لاتزال تفضل وكالة الاستخبارات الأمريكية بقاءها «سرية» لأهداف تقول بأنها تتعلق بـ«الأمن الوطني الأمريكي» وربما تستهدف بذلك تتبع خطوط وشبكات اتصال بعض المتورطين من الواردة أسمائهم وبياناتهم، وهو أمر جيد دون شك.. لكن اطلاع الرأي العام في العالم على هذه الوثائق هو أيضا من الأهمية بمكان، وتشكر عليه دون شك وكالة الاستخبارات الأمريكية فلأصدقائنا الأمريكان شركائنا في السلام والنهضة والبناء وعمارة الأرض ونشر الحب والخير والعلم والوئام وحرب الشر ومكافحة الإرهاب والقتل والدمار.. ألف شكر وتحية وامتنان.
إلى اللقاء.