هدى بنت فهد المعجل
نمرض، نتوعك، ترتفع حرارتنا، نذهب للطبيب، نصف له مرضنا، نوضح له مواضع ألمنا وأعراض التعب.. بناء على وصفنا له، وبناء على فحصه لنا يشخص «الداء»، ويصرف لنا «الدواء». نخرج من عنده باتجاه الصيدلية، نقدم للصيدلي وصفة الطبيب، يتسلم الوصفة، ويبدأ في تجميع الأدوية الموصوفة لنا من على الأرفف، ومن داخل الأدراج، يتجه نحونا، يضع الأدوية المجمعة أمامنا، يستدني القلم، يكتب بخط الصيادلة المعتاد غير الواضح المعالم، يقرب ما كتب على كل علبة إلى فهمنا من خلال خطوط مستقيمة يخطها تحت بعضها بعضًا، خطين، ثلاثة خطوط، أربعة.. وربما لن يحتاج للكتابة بخط الصيادلة غير المقروء، ولن يضطر للخطوط المستقيمة في ظل الكمبيوتر وكتابة البيانات على ورق لاصق، ثم لصقه على علبة الدواء. نستلم كمية الدواء في كيس بعد دفع ثمنه، ثم نخرج باتجاه منازلنا؛ كي نبدأ في تناول العلاج طمعًا في الشفاء وانزياح التعب، المرض، الداء الذي نجده، لكن الدواء لم يحقق لنا الشفاء، لم يبعد التعب، لم يسكت الداء؛ لأن الدواء الذي صرفه الطبيب لنا هو دواء لداء الجسد بينما الداء الذي نجده ونعاني منه داء الروح، مرض الروح، تعب الروح الذي لا يستطيع الجسم التعرف عليه؛ وبالتالي التعريف به. يملك الجسد التعبير عن الروح، لكنه التعبير الذي يُدخلنا في متاهات التعب والمرض والداء؛ لذا لا يملك الطبيب البحث عن آثارها في الخارج، وليس لنا سوى بذل طاقاتنا في سبيل معالجة أنفسنا بأنفسنا؛ إذ مهما عولجنا روحيًّا لن يجدي هذا العلاج نفعًا ما لم يأتِ من عند أنفسنا.
يُعرف المرض، ويتم تمييزه عن باقي الأمراض الأخرى بتعدد أعراضه، فبماذا نعرف أمراض الروح!؟
يعرفها الإنسان بنفسه من خلال معرفته لنفسه؛ لأنها مرض يصيب العقل والقلب والفكر. قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (10) سورة البقرة. وقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» صحيح البخاري. القلب في سطوته على الروح، وفي شغله العقل والفكر شغلاً يلهب الجسد؛ فيتوعك ويئن، وتنزل به الحمم، فإذا لم تعِ روحك، لم تدرك قلبك، لم تحاصر فكرك وعقلك.. تمادى التعب بك؛ فأفسدك، وأفسد جسدك.
قرأتُ عبارة تقول: «عشت كثيرًا حتى آمنت أن الاستمرار في التعب تعب، والتجاهل صدقة جارية على قليل الأدب، وأيقنت أن المواقف خريف العلاقات، يتساقط منها المزيفون كأوراق الشجر. قلب يسامح البشر كل يوم، يعيش مرتاحًا، ونفس ترضى بالأقدار تعيش سعيدة، وروح تردد (الحمد لله) تنام وتستيقظ مبتسمة». كلام إذا عملنا به كفينا أجسادنا تعب أرواحنا بإراحة قلوبنا وعقولنا وتفكيرنا، وعشنا في إيجابية ممعنة في مزيد من الإيجابية؛ إذ إن الإيجابية لا تعني عدم الحزن، ولكنها تعني «فن التعامل مع الحزن»، فن التعامل مع كل ما يمس الروح ويؤلمها بعيش اللحظات باكيًا، مسترخيًا، متأملاً، محتضنًا أشياء يحبها، مسترجعًا لها، جاعلاً طاقته العاطفية منسابة متدفقة مخرجًا لكل شحنة حزن وألم وتعب يعتري الروح ويوعكها؛ فيكون بذلك قد تولى معالجة نفسه بنفسه مستغنيًا بعلاجه لها عن أدوية الطبيب.