د. محمد عبدالله العوين
يجد الرجل الذي تربى على قيم عربية أصيلة حرجا شديدا لو طلب من زوجته المساهمة معه في النفقة حينما يمر بضائقة مالية؛ إما بسبب إثقال قرض من أحد البنوك لشراء أرض أو بناء منزل أو شراء سيارة ونحو ذلك من الضرورات التي لا مفر من مواجهتها والبحث عن مخارج أو سبل يستطيع الزوج بها التكيف أو التوازن مع الضغوط المالية الطارئة؛ ولن يمد الرجل الشهم الأصيل يده إلى مرتب زوجته إن كانت موظفة قل أو كثر مهما ساءت الظروف، وحتى لو قدمت الزوجة جزءا من مرتبها بطواعية ورضا نفس له كي يستعين به على وفاء قرض أو تسديد قيمة أرض أو سيارة؛ فإنه سيكون مدينا لها بالفضل طوال عمره، ولن ينسى جميلها وتنازلها عن جزء من مرتبها في سبيل إسعاد زوجها وأسرتها.
إن هذا الشعور الغامر بجميل الزوجة حين تسخو وتسهم في الإنفاق قيمة سامية نابعة من تجذر تقاليد عربية أصيلة وأوامر دينية في نفوسنا؛ إلا من شذ عن ذلك.
ودعوكم من حالات قليلة نادرة يتدنى فيها بعض الرجال؛ أزواجا أو آباء أو إخوة أو أبناء فيعتدوا على أموال زوجاتهم أو بناتهم أو أخواتهم بحيل مختلفة، أو باستخدام سلطة الولاية المطلقة التي تفسر بأساليب مضللة بعيدة عن هدي الدين، فما يحدث من أولئك النفر القليل النادر لا يمثل شيئا يذكر، وحين يصل الأمر إلى المحاكم الشرعية؛ فإنها تنصف المرأة المضطهدة أو المعضولة منه بسبب مرتبها الذي قد يكون عائقا عن تزويجها لطمع الأب فيه.
يقول الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء، الآية 19) والمعروف هنا ما زاد عن الواجب، بمعنى زيادة الإحسان لا واجب النفقة فحسب، وحين سئل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، أو اكتسبت» الحديث، رواه أبو داود في السنن.
ويبدو أن هذا الجانب كان بعيدا عن ذهن من رسم خطوط برنامج «حساب المواطن» ووضع طريقة عمله، ولا شك أن غاية الحساب نبيلة وتهدف إلى مساعدة المواطنين من ذوي الدخول المتدنية والمتوسطة على تحمل تبعات ما سيطرأ على تكلفة استهلاك بعض الخدمات من زيادات في التعرفة، فضم دخل الزوجة إلى دخل الزوج في الفئات الأربع التي تستحق الدعم، فالرقم المعلن في الشرائح الخمس يعني دخل الزوجين معا؛ بدءاً من الأولى التي تبدأ بصفر وتنتهي بـ8699 إلى الرابعة التي تبدأ بـ15300 وتنتهي بـ20159، أما الشريحة الخامسة في التي يزيد دخل الزوجين معا فيها على 20160 ريال ولا تستحق الدعم.
والملحوظة الأولى التي لا بد من إعادة النظر فيها: أنه بضم مرتب الزوجة إلى مرتب الزوج؛ فإن النسبة التي يفترض أن تستفيد من الدعم ستكون قليلة جدا؛ لأن ضم المرتبين ارتفع بالدخل إلى الدرجة التي يقل فيها الدعم أو ينعدم بتجاوزه 20160 ريالا.
والملحوظة الثانية وهي صلب هذا المقال وبدؤه ونهايته: أن «حساب المواطن» بضم مرتب الزوجة إلى مرتب زوجها يلغي تفرد الزوج بالنفقة؛ لأن استحقاقهما للدعم لم يأت إلا بجمع المرتبين، وهذا سيكون مدخلا لذوي النفوس الضعيفة من الرجال لفرض ما ليس واجبا على المرأة نحو أسرتها أو زوجها في باب النفقة الذي هو من واجبات الرجل وحده؛ إلا ما صدر من الزوجة عن طواعية ورضا.