«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
على هامش الإجازة هناك ظاهرة مستمرة بل مطلوبة ومحمودة، ويتماهى معها الملايين من الشباب والشابات، هي الاحتفال بالزواج. وإطلالتنا لهذا اليوم ليست عن الزواج تحديدًا، ولكن عمن له دور كبير وفاعل في توثيقه. هذا الشخص الذي في بعض المجتمعات العربية والغربية يحلم الكثيرون بالوصول إليه، والجلوس في مكتبه، وتوثيق زواجهم. إنه (المأذون) الشرعي الذي يحمل ترخيصًا من قِبل وزارة العدل بممارسة هذه المهنة، التي تعتبر في مختلف دول العالم من أقدم المهن، والتي تدر ذهبًا في بعض الدول العربية والخليجية والإسلامية على بعضهم، حسب علاقاته وحتى شهرته. ومشهد (المأذون) جسدته العديد من الأفلام العربية، بعضها بصورة هزلية كما فعل الممثل الشهير إسماعيل ياسين أو عبد المنعم إبراهيم - رحمهما الله - وبعضنا يذكر جيدًا استخدام المأذون في بعض الدول العربية المنديل الأبيض، الذي يضعه (المأذون) فوق يدي العريس ووالد العروس أو وكيلها. واستخدام المنديل - وكما شاهدت وحضرت العديد من عقود القران - لم أشاهده في الأحساء أو الشرقية، لكن ربما يوضع في بعض مدن المنطقة الغربية، وخصوصًا جدة ومكة والمدينة نظرًا لتأثر المجتمع فيها ببعض العادات العربية التي وصلت إليها من الشام ومصر، لكنه إن وُجد فهو لدى عدد محدود جدًّا من الناس. وخلال كتابتي هذه السطور قمتُ بالاتصال بأحد الإخوة المصريين الذي يعمل في شركة بالأحساء عن المنديل الأبيض، وعادة وضعه خلال عقد القران، فقال لي «حسب علمي إنه تقليد فقط، واختياره أبيض من أجل المزيد من التفاؤل، وأن تكون حياة الزوجين بيضاء مشرقة وباسمة ومنورة. وعادة ما يأخذ المأذون المنديل كتذكار، أو أحد الحضور؛ ليكون فأل خير عليه»؟!
وفي بلادنا ليس من السهل الحصول على ترخيص بمزاولة هذه المهنة العظيمة؛ فهناك شروط عديدة، لا مجال لذكرها هنا، لكنها متوافرة في فروع وزارة العدل أو المحاكم الشرعية في مختلف المناطق والمحافظات. والمأذون في بلادنا عادة ما يكون ملمًّا بالعلوم الشرعية وأحكام الدين، وخصوصًا في مسألة الزواج والطلاق، وأن يلتزم بالشروط التي وضعتها الدولة من خلال وزارة العدل.
إذا كان الزوجان سعوديَّيْن فيكون إجراء العقد لدى مأذون أنكحة على النحو الآتي:
* قبل إجراء عقد النكاح يتحقق المأذون من توافر الأركان والشروط وانتفاء الموانع في الزوجين، وتوافر تقرير طبي للزوجين ساري المفعول (مدة صلاحية التقرير ستة أشهر فقط).
* إذا كان الولي غير الأب فإن المأذون يتحقق من أنه أقرب ولي بالاطلاع على صك حصر الإرث، أو ما يدل على انتقال ولاية التزويج إليه، ويشير إلى ذلك في الضبط.
* إذا كان عقد النكاح يجري بموجب وكالة من الطرفين أو أحدهما فيتأكد المأذون من أن الوكيل مخول بالتزويج من الولي الشرعي أو من الراغب في النكاح.
* في حال عدم وجود ولي شرعي للمرأة فإن إجراء عقد النكاح يكون من قِبل المحكمة المختصة.
* إذا كان العقد على إحدى بنات الأسرة المالكة مع غيرهم فيلزم موافقة المقام السامي.
* يعتمد في إجراء عقد النكاح للمطلَّقة على أصل صك الطلاق، ويرسل للمحكمة التابع لها؛ لتقوم ببعثه لجهة إصداره للتهميش على سجله بذلك. وفي حال عدم وجود صك الطلاق لفقده فيعتمد على صك بدل مفقود موثق من المحكمة مُصدرة الصك.
* على المأذون قبل إجراء العقد على المتوفَّى عنها زوجها التأكد من وفاة زوجها بالاطلاع على صك حصر ورثته، والإشارة إليه في الضبط.
* يحرَّر عقد النكاح على الوثائق المخصصة لذلك من وزارة العدل بخط واضح، مع التنبيه على ما قد يقع من شطب أو تعديل أو إضافة أو غير ذلك، مع التوقيع عليه وختمه.
* تدوَّن البيانات كافة في دفتر الضبط، مع أخذ توقيع طرفَيْ العقد والولي والشاهدين، وإخراج الوثيقة من واقعه بعد سماع موافقة الزوجة على هذا الزواج.
* تصادق المحكمة على صحة ختم وتوقيع المأذون بعد التحقق من سلامة إجراء المأذون، ومدى تقيده بما ورد في اللائحة من خلال ما دُوّن في وثيقة عقد النكاح.
وعادة ما يحصل المأذون على مبلغ من المال دون أن يشترط ذلك، وهناك من يدفع له مبلغًا كبيرًا نظير قيامه بمهمته حسب ظروف العريس، أو والده، أو حتى والد العروس. ويدخل ذلك من باب التقدير والتكريم وحتى الفرحة. وبعضهم - اللهم لا حسد - يقوم في الليلة الواحدة بعقد أكثر من زواج، بل إنه عادة لا يقبل تناول الطعام بعد عقد الزواج نظرًا لارتباطه بأكثر من موعد، وعلى الأخص في مواسم الزواج في الصيف والأعياد وإجازات المدارس. اللهم بارك في كل زواج، ووفق الله كل زوجين، وبالرفاء والبنين.