عبدالعزيز السماري
يُشكِّل الخوف ظاهرة ثقافية في مختلف المجتمعات على طريقة «من خاف سلم»، وقد يكون الخوف ظاهرة مرضية، ولها علاقة بعدد من الأمراض النفسية، لكنها عند الأصحاء تعتبر مشاعر غير سوية، وتدخل أحياناً في منطقة الحماية الذاتية للمصالح، وهو ما تستغله السلطات التعسفية لفرض إرادتها على الشارع من خلال بث الرعب في عقول شعوبهم.
روح احترام القوانين منهج تطبقه السلطات في العالم المتقدم من خلال نشر ثقافة الوعي بأهمية الالتزام بالنظام، لكنها تتحوَّل إلى حالة من الخوف عندما تكون القوانين مجرد خطوط وهمية، أو حبر على ورق، وهو ما تتسم به الدول التي تحكم من خلال ثقافة الرعب، والتي تعمل على توثيق شرعيتها عبر بناء الجدران غير المرئية من الممنوعات..
يقول الفيلسوف مونتسيكو مؤلف روح القوانين: «يجب إنشاء الحكومات حتى لا يخاف أيُّ شخص من شخص آخر»، لأن الخوف وسيلة غير سوية، وتستغله المنظمات غير الشرعية لتسيُّد الواقع من خلاله، ولا يمكن أن تفرز الخوف ثقافة القوانين والحقوق، وحتى لا يخاف شخصٌ من آخر، يجب أن تسود روح القانون الجميع بدون استثناء، والحكومة حسب فلسفة مونتسيكو تلك التي تحظى بثقة الشعب وتخضع للمحاسبة والمساءلة القانونية.
ظاهرة الخوف بين البشر تفرزها حماية المصالح، فالمرء في غياب القوانين يحرص على مكتسباته، ويخاف أن يفقدها، ومن أجل ذلك يحاول قدر الإمكان أن لا يواجه السلطة التي تحكم من خلال نظرية الرعب، وقد عرف التاريخ دولاً كانت تزرع الخوف في عقول مواطنيها من أجل فرض سيطرتها بالكامل.
كان أدولف هتلر أشهر الزعماء الذين زرعوا الرعب في قلوب شعوبهم، فقد خلقت صور القتل والحرق لمواطنيها مكانة عالية للسلطة والسيطرة في زمنه، وكان الزعيم أقرب لسلوك المجرم الذي لا يتورَّع عن سياسة الإعدام لمخالفي سياسته أو مصالحه، وكانت أيضاً سلطة ستالين تقوم على رفع مستويات الهلع إلى درجات عالية جداً، وخلفت دماراً نفسياً ورعباً غير مسبوق عند شعوب الاتحاد السوفيتي..
كان التاريخ العربي أيضاً حافلاً بالحكم من خلال بث الخوف على طريقة «إني أرى رؤوساً يانعة وحان قطافها»، فالحاكم حسب التقاليد العربية هو من يستبد ويقتل ويستولي على الثروة، والاستبداد يقوم على فرض الأمر الواقع حسب مصالحه، ولو استدعى الأمر جزّ الرقاب وقطع الأرزاق.
في المجتمعات التي يحكمها الخوف تنتشر ثقافة الفساد، وتسود مصالح الأقوياء، ويخسر الضعفاء مكتسباتهم القليلة، بسبب لجوئهم لوسيلة الصمت المطبق، وذلك لئلا يخسروا ما تبقى في حياتهم، وفي المجتمعات التي يحكمها الرعب تهيمن لغة النفاق، ويتحوَّل المدح الزائف إلى شعار الولاء المعلن على الملأ..
في المجتمعات التي يحكمها الخوف تختفي القدرات، ويتقدم الصفوف المزيفون الذين يجيدون هزّ الرأس في الصفوف الأمامية، وفي المجتمعات التي يحكمها تضعف الكلمة، ويصيبها هزال المعاني، وتتحوّل إلى إما كلمات خاوية أو خائفة من مقص الرقيب أو من قرار المنع عن الكتابة..
خلاصة القول إن الخوف ظاهرة غير صحية، والمجتمعات التي تعيش في الخوف لا يمكن أن تنتج أو تبدع أو تساهم في إنجاح خطط التنمية، والدليل تلك الفروقات التي نشاهدها في سلالم وجداول الإنجازات البشرية بين الدول التي يحكمها القانون، وبين تلك التي تعيش في الخوف.