علي الصحن
عندما تم إقرار نظام احتراف اللاعب السعودي قبل ما يربو على الـ25 عاماً كان الهدف هو تطوير الرياضة السعودية، ودعم اللاعب السعودي وتقديم نجوم جدد وتوسيع دائرة المنافسة وجعل الرياضة مناخاً مناسباً للاستثمار، والمساهمة بشكل مباشر وغير مباشر في دفع عجلة النمو في البلاد.
واليوم تأكد للجميع أن الاحتراف قد حقق بعض أهدافه، وأن أهدافاً أخرى وأهم ما زالت على الورق، وأن تحقيقها أمر بعيد المنال للأسف، وفي الأيام الأخيرة تابع الجميع قضية حارس فريق الشباب محمد العويس وقد تحولت من مجرد انتقال لاعب من فريق إلى آخر إلى قضية رأي عام، وكيف أصبحت حديث الشارع مع أن الحارس لم يقدم في الواقع المستويات التي تجعله يحظى بكل هذه الإغراءات والظروف والملابسات، والأرقام الخاصة بالحارس والتي تداولها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، جاءت أقل من الطموح والمتوقع بكثير، ولو أن الأندية التي تسعى للتعاقد مع اللاعب قد وضعت أرقامه كمعيار حقيقي لوضع قيمة عقده الاحترافي لما تجاوز ما يستحقه سقف المليون ريال على أبعد تقدير، وقد يقول قائل: إن ضعف الأرقام بسبب المدافعين الذي يلعبون أمامه، وهذا القول مردود عليه بأرقام اللاعب مع المنتخب أيضاً!!
قبل الاحتراف كان المنتخب السعودي يقف على قمة الكرة الآسيوية، لا ينازعه على سيادتها أحد، كان نجومه الهواة الدعيع والنعيمة والبيشي وماجد وخليفة والمنصور والجمعان والثنيان هم الأفضل على مستوى القارة، أما بعد الاحتراف فقد تراجع المنتخب، في البداية حافظ اللاعبون المخضرمون من الهواة السابقين والمحترفين الجدد على هيبة الأخضر، ونجحوا مع آخرين في تحقيق إنجازات متلاحقة للأخضر، لكن الخط البياني ما لبث أن بدأ في النزول حتى أصبح المنتخب يخرج على يد نجوم الاحتراف والملايين من الدور الأول ويخسر بالثلاثة والأربعة والخمسة، وأصبح الحق المكتسب في السابق مجرد حلو يراود عشاق الأخضر، ولا أحد يعلم متى يتحول الحلم إلى حقيقة!!
قبل الاحتراف كانت الأندية تقدم النجم تلو النجم ولم يكن بمقدور غير النجوم الحقيقيين الحصول على الفرصة لذا كانت المنافسة على أشدها بينهم للحصول على المركز وكسب ثقة المدرب، أما اليوم ففي زمن الأكاديميات ومدارس الفئات السنية، فقد أصبح اكتشاف لاعب واحد بمثابة الإنجازات، وها هو نادي الهلال مثلا وهو الذي كان مضرب المثل في تقديم النجوم أيام مدرسته الكروية الشهيرة في الثمانينيات الميلادية السابقة يعجز طوال سنوات طوال عن تقديم لاعب هداف حقيقي يعول عليه أو حارس يمكن أن يكسب الرهان ويحمي المرمى بثقة، لذا ظل النادي المدرسة رهينة تعاقدات متتالية تنجح مرة وتخيب مرات وبقي الوصول إلى حل جذري عصياً على النادي والقائمين عليه، ويكفي أن تعلم مثلاً أن الهلال قد تعاقد مع الصويلح والعنبر والجيزاني وياسر والشمراني وعليوي وغيرهم لحل مشكلة رأس الحربة... ومع ذلك ما زال يعاني من هذا المركز ويحاول رتقه بلاعبين أجانب لم يحقق أكثرهم النجاح كله، والأمر كذلك يتعلق بحراسة المرمى وقلب الدفاع... وعندما تسأل ماذا تقدم الفئات السنية، وماذا يفعل الفريق الأولمبي لا تجد إجابة!!
وفي النادي الأهلي الذي تحدث القائمون على الأكاديمية وصوروها حل كل مشاكل الفريق الفنية يحدث ما يحدث في نادي الهلال، وها هو النادي بأكاديميته يبحث عن اللاعبين من خارج النادي ولا يجد في كل مرة بغيته... وما يحدث في الهلال والأهلي يحدث في كل الأندية، فبرزت ظاهرة تدوير اللاعبين، وتضخم عقودهم دون وجود مبرر فني، يرافق ذلك تدن في المستوى الفني للأندية والمنتخب ونتائجه، ويكفي برهاناً على ذلك غياب المنتخب والأندية عن المنافسة على البطولات القارية، وانحسار منافسة الأندية في الداخل رفقة ضجيج إعلامي ضره أكبر من نفعه.
الحقيقة التي لا مناص عنها أننا بحاجة إلى مراجعة احترافنا برمته، ودراسة سلبياته الكثر وأثرها على الكرة السعودية، والبحث عن حلول ناجعة لها، فالأندية وإن خصصت مستقبلاً لن تكون قادرة على تلبية مطالب اللاعبين، ولا سداد مستحقات العاملين وهو أمر بدأت نذره بالظهور، ولا يمكن أن يقول أحد غير ذلك.
التضخم في عقود اللاعبين، والتعاقد مع لاعب أي كان دون مبرر فني ودون حاجة حقيقية، بل من أجل انتصار وقتي أمر يجب أن تتجاوزه الأندية والقائمون عليها، حتى وإن كان الضخ المالي سيأتي من خارج ميزانية النادي....
في سنوات سابقة برز نجوم تفاءلنا بهم كثيراً، لكن أندية معينة عملت على استقطابهم، ثم وضعتهم على كنبة الاحتياط قبل أن ترسلهم إلى عالم النسيان، والمتضرر هو المنافسة والمنتخب والمشجع الباحث عن المتعة الكروية، ومع ذلك لم تتعلم الأندية، وواصلت الوقوع في نفس الأخطاء، ولم تطبق مقولة السعيد من اتعظ بغيره.
في صفقة العويس تأكد للجميع أن هناك من لم يفهم الاحتراف بعد.