زكية إبراهيم الحجي
في عصر الجينات والإلكترونيات وفي الوقت الذي تلتهم فيه ألعاب الفيديو أوقات وقدرات أطفالنا وشبابنا ومع انشغال الأسرة وغياب القدوة والاعتماد على خادمات ومربيات من جنسيات مختلفة يصبح السؤال الأكثر أهمية هو: متى نستمتع بعودة اللغة العربية تمرح على ألسنة أطفالنا وتختال في حوارات شبابنا كتابة ونطقاً.. وكيف نصالح أبناءنا مع لغة الضاد لغة القرآن التي أصبحت تراوح مكانها ما بين العامية وحمى تطعيمها بمفردات أجنبية والتفاخر والتباهي بذلك.. ثم لماذا نجد السواد الأعظم من الصغار والشباب وأيضاً بعض المتعلمين والأكاديميين يعانون من الأخطاء الإملائية واللغوية.. وباتت تلازمهم حتى كبرهم ووصولهم لأعلى الدرجات العلمية وكأنهم مولعون بجر المنصوب وخفض المرفوع.. ترى أين يكمن الخلل.. ومن المسئول الأول عن تنامي هذه الظاهرة المؤلمة، وهل اعوجاج اللسان من اعوجاج الحال كما قال «ابن حزم»؟.
لا غرابة أن تستمر صيحات الشكوى إلى يومنا عن الوضع المتدني للغة العربية بين أكثر المتعلمين ولا غرابة أن تستمر الشكوى وتعلو الأصوات من كثرة الأخطاء اللغوية التي يرتكبها طلاب المدارس والجامعات ويقع فيها أيضاً خريجو الجامعات في المؤسسات الحكومية والأهلية وفي الإعلام بوسائله المتعددة.. لماذا؟.. الجواب ببساطة أننا نتحدث عن المشكلة ونعقد المؤتمرات والندوات لمناقشة الظاهرة فقط دون وضع حلول جذرية لمعالجتها.. وحتى لو وضعت الحلول فإنها تبقى حلولاً نظرية لا تطبق على أرض الواقع ومصيرها غبار يتراكم عليها لسنين داخل الأدراج.. ومما زاد الطين بلة تعدد الفجائع التي مُنيت بها لغة الضاد في الزمن الرقمي فملايين المحاضرات والتجارب العلمية والثقافية والدراسات البحثية التي تُنشر على الشبكة العنكبوتية تُعرض بطرق تربوية تفاعلية ثرية وبكل اللغات إلا اللغة العربية حتى وإن تُرجم البعض منها إلى العربية، فللأسف هي ترجمة ركيكة ضعيفة لا ترقى إلى مستوى ومكانة لغتنا العربية المتميزة من بين كل اللغات.
سنظل نتشكّى ونتذمّر.. وستظل لغتنا العربية تئن وتتوجع إن لم يُسارع المختصون والمتخصصون لمعرفة أسباب تعثر تنفيذ توصيات الندوات والمؤتمرات التي تُعقد من آنٍ لآخر هذا أولاً.. أما ثانياً فعجبي من مهرجانات ومسابقات تقام في مختلف مناطق الوطن هدفها الدعاية والإعلانات والمكاسب الاقتصادية دون التفكير في تفعيلها لتصبح رافداً ثقافياً تربوياً ومعرفياً يدعم لغة المجتمع.. السؤال: لماذا لا تستغل وزارة التعليم هذه الفعاليات وتشارك فيها بأنشطة تحت مسميات جاذبة على أن يُسند للمتخصصين في اللغة العربية تنظيمها والإشراف عليها.. تسوق اربح وفر تؤتي ثمارها إذا ما أُدرجت عليها فقرات معدة بعناية وبطريقة مشوقة وربطها بالوسائل العصرية الحديثة وتقديمها للجمهور في قوالب ترفيهية وسهلة الاستيعاب تجعله يشعر من خلالها بأهمية لغتنا الأم وأنها لساننا في تعبيرنا وكتاباتنا ومعاملاتنا اليومية.. نقطة أخرى أين دور النوادي الأدبية والثقافية التي تشرف عليها وزارة الثقافة.. لماذا لا يكون هناك تفاعل مشترك مع وزارة التعليم ويتم توجيه أنشطة ولو بصورة جزئية كدورات مفتوحة المدة لتنمية السليقة اللغوية عند المعلمين لا سيما أن المعلم أياً كان تخصصه مُطالب بالتحدث وشرح دروسه لطلبته باللغة العربية.. كم نحن بحاجة إلى ذلك لنعزز الانتماء إلى لغتنا العربية ونعيد بناء صلة وثيقة بها فهي السلاح الأمضى في مواجهة الغزو الثقافي والإعلامي في ظل عولمة حاصرتنا من جميع الاتجاهات.