د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الولايات المتحدة الأمريكية، هي رائدة العالم الحر، وهي أقوى دولة في العالم الحر، وهي أقوى دولة تأثيراً على المسار السياسي والاقتصادي، وهي زعيمة العالم في الابتكار، والتقنية، ومن أكثر دول العالم تطوراً في المجال الصحي، وأعظمها استخداماً للوسائل الحديثة، وهي أكثر دول العالم استهلاكاً للنفط، وأكثر دول العالم استخداماً للسيارات والطائرات، ومن أكثر دول العالم تنوعاً في وسائل الترفيه، وأكثر الدول في أعداد الألعاب الرياضية، مثل كرة القدم، البيسبول، والسلة، والطائرة، والجري، وألعاب القوى الأخرى المختلفة، وهي الأولى في الألعاب الأولمبية لسنوات عديدة، ولم تتزحزح عن هذا الموقع العالمي.
منها وبتقنياتها، صعد أول إنسان إلى الفضاء، وسار على صخوره، وجمع عينات من تربته، ومسابيرها صورت لنا المريخ، والمشتري، والزهرة، وعطارد، وأقمارها، وتوابعها، وصورت المجرات، ومن خلال علمائها وتقنياتها عرفنا الكثير عن ماهية الكون، وما زال الكثير خافياً، لا يعلمه إلاّ الله، وعرفنا الكثير عن الأرض، والماء والتربة، وتقنيات الزراعة.
أمريكا أول دولة أنتجت القنبلة الذرية، وهي أول وآخر دولة استخدمتها، وهي أول دولة بائعة للسلاح، وأكثر دول العالم في المساعدات الإنسانية، من حيث المقدار، وليس كنسبة من إنتاجها الوطني.
بها يقع مقر الأمم المتحدة، والعديد من المنظمات الدولية، وهي من أكثر دول العالم تنوعاً في الثقافات، والأعراق، ومن أكبرها مساحة في وضع قوانين التسامح، ومحاولة نشرها في أنحاء العالم.
الولايات المتحدة الأمريكية، يقرب إجمالي إنتاجها الإجمالي الوطني نحو عشرين ترليوناً، وتليها الصين بمساحة كبيرة، لكن الصين تسير بمعدل نمو أسرع، ولذا فإنه يمكن للصين اللحاق بها إذا استمر الفارق في النمو بينهما بالوتيرة نفسها.
تبلغ قيمة الإنتاج الوطني الزراعي نحو 160 مليار، والصناعة أكثر من تريليونين، والتعدين أكثر من مائتي مليار، بينما تتربع الخدمات على إجمالي الإنتاج الوطني بمبلغ أكثر من اثني عشر تريليون دولار.
هذه الأرقام الكبيرة حقاً، تدل على أن الاقتصاد الأمريكي لا يقتصر على نشاط بعينه، ولا سلعة بعينها، بل هو متعدد المشارب، وتتنوع القوى العاملة على الكثير من النشاطات الاقتصادية، وقد انخفضت البطالة من ذروتها حيث زادت عن 8% ثم انخفضت حتى بلغت الآن نحو 4%.
والولايات المتحدة الأمريكية سوق كبير للبضائع من الدول الأخرى، فهي الشريك الأول للصين، وأوروبا، والمكسيك، وكندا، وغيرها من الدول، وهي أيضاً تحقق عجزاً في الميزان التجاري مع الكثير من الدول، ولهذا فهي تسعى لسد تلك الفجوة بكل ما تستطيع.
أمريكا هي التي سعت في زمن الرئيس الأسبق ريجن لأن يكون هناك تجارة حرة بين دول العالم، وأن يتم تسهيل انسياب السلع والخدمات بين أقطار العالم، وحتى البشر، كانت هذه رؤية تم الإعداد لها، ومن ثم تطبيقها عبر اتفاقات عالمية، ومجاميع إقليمية يحق لها الدخول ككتلة واحدة، فكانت اتفاقات مراكش، ونافتا، ومنظمة التجارة العالمية وغيرها كثير، إضافة إلى اتفاقات التجارة الأطلسية تي بي بي، وغير ذلك من أنواع الاتفاقات الثنائية، والإقليمية والعالمية، ومن خلال هذه الاتفاقات استفادت معظم الدول، لكن هناك دول ترى أنها قد خسرت من جراء هذه الاتفاقات، وأن حرمانها من الحماية قد أثر على إنتاجها الوطني، وقلل من فرص الاستثمار، وسمح بهجرة رؤوس الأموال، وانتقال الإنتاج إلى دول أقل تكلفة فيما يخص مدخلات الإنتاج، من قوى عاملة ومواد أولية.
كل هذه المعطيات أصبحت ماثلة أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، ورأت أنها قد خسرت من جراء هذه الاتفاقات، وأنها وهي زعيمة العالم أجمع قد سمحت لتقنياتها بالانتقال خارج أرضها فاكتسب الآخرون خبرات في مجالات ابتدعوها، وتقنيات ابتكروها، ولهذا فهذه الإدارة الجديدة ترى أنها متضررة، وأن هناك تشويهاً في هذه الاتفاقات يجب تصحيحه، ولهذا صدر قرار لمراجعة، وإعادة النقاش حول بعض الاتفاقات.
من المؤكد أن الأسواق العالمية سوف تتوازن فيما بعد، وتسير مع الواقع، وتتعامل معه مهما كانت تلك المتغيرات، أو حتى إلغاء بعض الاتفاقات.
لهذا فلا بد من التفاؤل والنظر بمنظار الأمل.