فيصل خالد الخديدي
يقول فيثاغورس (إن الشكل يتعدى مفهوم الهيئة ويقترب من مفهوم القيمة). وبين الهيئة الظاهرة والقيمة الكامنة ينحت الفنان ماجد المفرح تجربته الفنية بتلقائية وتجرد وتمكن مستحضرًا الشكل أحيانًا في بعض أعماله أو أجزاء منها، ويغيب الشكل في أخرى، ويبقى أثره لونًا أو شيئًا من رمز أو حتى خدشًا, مستمدًا ذلك كله من ذاكرة الطفولة الموشومة بكثير من الصور البصرية والمفردات والعناصر لحياة طفل عاش تفاصيل جمال وحيوية وصخب في سوق حياة ونبض تنوع وثراء في الألوان والقيم والحنين والعراقة والأصالة، انطلقت من قلب دكان أبيه؛ لتجوب عالمه الصغير في حينه بين طرقات سوق الزل وتفاصيل منسوجة في ذاته معلقة على جدران القلب قبل أن تعلق على جدار الذاكرة في سوقه المسكون بداخله بكل تفاصيله ونبض حياته التي يستدعيها في أعماله بكل يسر وسلاسة من ذاكرة ممتلئة بالجمال والحياة وسمًا ووشمًا، ويقدمها بنضج تشكيلي وبناء فني غني يتجرد من القصدية والمباشرة، ويخرج من قيد الأشكال المحددة والصورة النمطية المكررة إلى فضائه المتسع بكثير من الحياة والتفاصيل.
قدم الفنان ماجد المفرح نفسه بشكل ذكي ولائق بقدراته من خلال معرضه الشخصي الأول (نول)؛ فبدأ من القمة، وهو أمر بالغ في الصعوبة أن يبدأ الفنان مصافحته للساحة بقوة وتمكن وقدرة عالية، تصل حد الإبهار فيما يقدم؛ فهو فنان لم يستهلك نفسه وعمله في المشاركات الجماعية والعامة، ولم يغرِه الظهور بشكله الباهت من خلال مشاركات مستهلكة؛ فجاء ليطبع اسمه في المشهد التشكيلي بتفرد في معرض يخصه هو، ويقدم خلاصة فكر وإحساس بصدق؛ فكان حضورًا لائقًا بكل تفاصيله من معروضات وكتيب وبيان المعرض الذي أعطى مفتاحًا لرسالة المفرح في معرضه وحتى القراءة النقدية للدكتور حكيم عباس المصاحبة للمعرض في كتيبه جاءت عميقة، وأنصفت الفنان وأعماله.
استمرار المفرح على المنهجية ذاتها في تقديم فنه وإدارته الجيدة لما يقدم يضمن للساحة نموذجًا شابًّا متفردًا، يعمل بوعي، ويجرد بتمكن وإحساس عالٍ، يحترم فنه ومتذوقيه، ويحمله مسؤولية كبيرة؛ ليقدم شيئًا يليق بالقمة التي بدأ منها, ويستمر وسمه وشمًا من ذاكرة لن تصدأ لطفل لم يشِخ.