د. محمد عبدالله العوين
حينما كتب الزميل الدكتور محمد العبد اللطيف في الجزيرة الأسبوع الفائت مقالا ساخرا مميزا بعنوان «مزايين اللاعبين» أثار كثيرا من الشجون عن الجامع بين النوعين من المزايين، وأنهما كلاهما مصدران كبيران من مصادر الغنى والثروة؛ بغض النظر عن خطورة الصفقة المعرضة للخسارة في النوع الأول من المزايين بنفوق أحد المجاهيم أو المغاتير أو الصفر، والمغامرة أيضا بعقد صفقة مع أحد المزايين من اللاعبين الذي قد يتعرض لإصابة بليغة في أول مباراة يخوضها ويتوقف عن اللعب وقتا يطول أو يقصر؛ وكانت الكناية موفقة جدا في عنوان المقال؛ لتشابه ما يمكن أن نسميه «تجارة» في المزايين الأولى واندفاعا ومغامرة وتنافسا في الثانية يصعد قيمة مزايين اللاعبين بطريقة مثيرة تدفع إلى المقارنة وضرب الحسابات بالجمع والطرح بين الهوايات الأقرب إلى «اللهو» ولكنها مجدية مثرية تقفز بموهوبيها من قاع الفقر والحارات المغبرة والبيوت الضيقة كالقبور إلى الثروة والغنى وفضاءات القصور وندى العطور، وبين المهن الجادة المتعبة التي توصف بـ»النخبوية» حيث لا يلتحق بها إلا العلماء والباحثون على اختلاف مشاربهم والموهوبون من الأدباء والمبدعين ؛ ولكن شتان بين أصحاب الهواية الأولى التي هي «لعب ولهو» وأصحاب المهنة الثانية التي هي جد وعناء وبحث في دروب العلم؛ ولا شك أن التدفق والانثيال العفوي الساخر في مقال «مزايين اللاعبين» كان التقاطا واعيا لهواجس تدور في وجدان من يقف على هذه المفارقة الغريبة بين اللهو والجد، ثم المفارقة الأكثر غرابة وألما بين اللاهي والجاد، والكفتين المتباينتين في مستوى العيش بمثل الفوارق البعيدة النائية بينهما في مستوى الفكر والثقافة والتحصيل والوعي .
وربما يمر خبر توقيع عقد كبير مع لاعب كرة قدم مرورا سريعا خاطفا لا يثير أي تساؤل ولا يحرك عاصفة نقاش إلا في مسار واحد من جماهير النادي الذي سلب منه اللاعب وجماهير النادي الذي كسب اللاعب، ولا تساؤل أعمق وأبعد غورا من الخسارة أو الكسب للنادي الشاري أو للنادي الخاسر، ومن حق اللاعب الموهوب أن يكسب - اللهم لا حسد - فقد وقع العقد بمبلغ ثلاثين مليون ريال لمدة خمس سنوات، منها 10 ملايين مقدم، وأربعة ملايين مرتب لكل سنة، وقيل أيضا إن ثمة هدايا فوق البيعة؛ وهي فلة جميلة وسيارة فخمة من نوع «بنتلي»!
لا مشكلة؛ فاللاعب المتميز عملة صعبة، والأندية العالمية تتخطفه وتغالي في احتكاره، ومن حق جمهور النادي الكاسب أن يفخر بانضمام لاعب متميز لناديه، ومن حق جمهور النادي الخاسر أن يتباكى على الصفقة، وهذا أمر شائع ذائع في بلدان الدنيا المتقدمة التي تقود الحضارات ؛ فما الضير إذاً في هذا ؟ ولم سطر الزميل مقالته عن مزايين اللاعبين؟ ولم أدعو الآن إلى مزايين العلماء؟!
أبدا، لا اعتراض، ولا عجب!
فليكن لدينا مزايين لأجمل اللاعبين، أعني أمهرهم، وليكن لدينا من القدرة ما يمكننا من عقد صفقة مليارية إن شئتم مع أمهر المدربين العالميين!
ولكن لم لا يحظى العالم والمفكر والأديب وأستاذ الجامعة في مراكز البحث العلمي بنصف أو ثلث أو ربع أو عشر ما يحظى به مزايين اللاعبين من التدليل؟!
إن أية أمة لن تنهض وتتقدم وتتفوق وتقود إلا بـ»العلم» لا باللهو!
والأمم التي تغالي وتدفع الملايين في مزايين لاعبيها تجاوزت عثرات التخلف وبنت وأنجزت الكثير، وحق لها أن توازن بين الجد واللعب ؛ ونحن أمة لازالت في طور النشأة، ولا زلنا نحبو ونؤسس كياننا الحضاري؛ فلنغلب الجد على اللعب . ولتتضح المفارقة الغرائبية بين النوعين من المزايين: مرتب الأستاذ الجامعي يبدأ بـ12765 ريالا ومرتب لاعب الصفقة ثلاثمائة ألف وثلاثة وثلاثون ريالا في الشهر فقط!