د. حمزة السالم
الموروث الإنساني في ظلم المرأة لحقَ المسلمين كما لحقَ غيرهم، فكلما ابتعد الناس عن عصر النبوة انحرفوا عن منهج النبوة إلى موروث الإنسانية. فقد كانت المرأة المتزوجة في الغرب، تُمنع، إلى عهد قريب، من تملُّك منزل.
ومن نظر إلى كتب الفقه والحديث في القرون الوسطى للفقه الإسلامي أدرك ذلك. والشواهد في ذلك أعظم من أن يجمعها كتاب، فضلاً عن مقال. ولكن مما يُستشهد فيه بالجملة، ابن حجر العسقلاني، شيخ شيوخ الحديث، في كلام له ما معناه في فتح الباري (ألا ترى أن المرأة الحائض إذا لمست الزرع أفسدته وإن لم تكن حائضاً لم تفسده). وكأنه - رحمه الله - يستشهد بحقيقة لا نزاع فيها، وما الحقيقة والله إلا أن النظرة الدونية للمرأة قد تأصلت في ثقافتنا منذ عصر الجاهلية رغم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من إكرامه لعقلها واحترامه لشخصيتها. وكذا كتب الفقه الحنبلي (كالروض المربع) في تفقهها في أحكام الحيض تظهر بوضوح نظرة ثقافتنا إلى المرأة التي نتج عنها وضع أغلال وإصرار عليها ما أنزل الله بها من سلطان. كما تظهر مقدار الاستهانة بها وما يجر عليها من مشاق والآلام كقولهم «تصوم وتقضي احتياطاً».
وفي زماننا هذا لم تعد القوة الجسمانية مطلباً لجلب الرزق والدفاع عن الأوطان، فأخذت المرأة تأخذ مكانها الطبيعي المساوي للرجل في الحقوق والالتزامات، في غالب أصقاع المعمورة إلا أنها أبطأت عندنا، لكي تسبق نساؤنا نساءهم، فقد كُفينا كلفة التجربة فنُجنب نساءنا ومجتمعنا من الأخطاء التي وقع فيها من قبلنا.
اختلاف الرأي أمر حتمي وهو محمود بشرط إذا كانت حجج المتخالفين تنطلق من منطلق شرعي أو عقلي صحيح. ولكن هناك من يتتبع الأحكام التعبدية، التي لا يجوز عقلاً ولا شرعاً القياس عليها، والتي قصرت عقولنا عن فهمها، ثم يُجيرها ضد أهلية المرأة، كحقها في الميراث مثلاً.
تماماً كما لا يصح مثلاً، أن نحكم بقذارة المسلمين في المدينة النبوية أو أن نأمر المسلمين أن يتقاذروا من أجل حديث بئر بضاعة ونصه: «قيل لرسول الله: أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شيء». فقد كانت حياتهم رضي الله عنهم قاسية شظفة، وقد كان هذا أمراً ليس مستنكراً في زمانهم، وقد كيّفوا حياتهم على شطف الحياة. وكذلك من الخطأ - بحجة حديث بئر بضاعة - أن ندعو الناس اليوم إلى رمي القاذورات في الآبار ومصادر المياه، أو ندعهم يفعلون ذلك دون عقوبة، ثم نقول هو أمر فُعل عند الرسول وأقره ولم يأمر بمنعه أو إزالته - كما فعلنا في زواج الصغيرة -.
وهناك من لا يحسن استشعار عظمة الخالق - الذي أحسن كل شيء خلقه وكرّم بني آدم عن غيرهم - فيؤله على نظريته الدونية الموروثة من جاهلية فلاسفة اليونان، فيحتج بحسن خلق الله على التنقُّص من المرأة. ومن العجيب أن هناك من يجعل عظمة المرأة في حملها ورعايتها لأطفالها منقصة لها. بل إن هناك من يذهب إلى أبعد من هذا.