يوسف المحيميد
كلما تذكرت أبرز الأسماء المصرية في الآداب والفنون التي قادت الثقافة، وما زالت تفعل، في مصر، ينتابني سؤال كبير، لا أجد له إجابة نهائيًّا، حول تحييد وتهميش أسماء الجيل الذهبي للآدب في بلادنا، التي صنعت مجدًا أدبيا مميزا على المستوى المحلي والعربي، وإبعادها عن الفعل الثقافي من خلال المؤسسات الثقافية الرسمية، وعلى رأسها وزارة الثقافة والإعلام!
فأتخيل كيف يمكن أن يصبح قطاع النشر في الوزارة لو كان يقوده مثقف ذو بصمة مميزة كالشاعر محمد جبر الحربي، الذي صنع من مجلة أسبوعية عامة، ما يضاهي مجلات الثقافة الكبرى في الوطن العربي، ثم استمر يحاول بقدراته الذاتية أن يصنع نشاطا إبداعيا خاصا، وكيف يمكن أن يصبح قطاع ثقافة الطفل وإبداعه لو قاده مثقف موهوب كالقاص والروائي سعد الدوسري الذي أيضًا صنع نجاحا كبيرا للطفل في ثمانينات القرن الماضي!
ألم يصنع أحد أفراد ذاك الجيل الذهبي مهرجانات مذهلة للسينما والشعر، من خلال فرع الثقافة والفنون بالدمام، فرع بسيط ومتواضع الإمكانات، قدم من خلاله الشاعر أحمد المُلا نجاحا باهرا لا تستطيع وزارة كاملة كالثقافة بكوادرها وموظفيها وإمكاناتها أن تنجز نصف ما حققه هذا الرجل، وهو شخص واحد يصفق بحقل من الأيدي، لا بيد واحدة، والفارق أنه جاء من حقل الثقافة الحقيقية، ثقافة التأسيس والتفرد، ثقافة الثمانينات والتسعينات، لا ثقافة الوظائف والمناصب ومواقع التواصل الاجتماعي!
من المسؤول عن تهميش هذه الكفاءات المتميزة؟ هذه الخبرات النادرة وغيرها ممن لم تحضرني أسماؤهم وجهودهم المعروفة في حقول الثقافة المختلفة؟ لماذا يبقون خارج الاهتمام في الفعل الثقافي والمناسبات؟ لماذا يحضرون الفعاليات كغرباء؟ من الذي أزاحهم من كل شيء؟ من الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون والمناسبات الثقافية المختلفة كمعرض الرياض الدولي للكتاب؟ فلا وجود لهم في فعالياته، ولا وجود لهم في لجانه التنظيمية، ولا وجود لهم في جوائزه، ولا وجود لهم في أي عمل ثقافي رسمي تقوده وزارة الثقافة!
أعتقد أن الثقافة من غير هؤلاء المميزين، هؤلاء الذين صنعوا ثقافتنا، لن تبقى في دائرة الاهتمام العربي، فلم يزل النقاد والمبدعين العرب يسألون عن هذا الجيل، وعن سبب اختفائه، لأن أثره كان عربيا بامتياز، هذه الأصوات ومن جايلهم كان حضورهم العربي لافتا ومهما ومؤثرا، فمن المحزن استبعادهم وتحييدهم، مقابل ترك الفعل الثقافي بأيدي موظفين لا يفرقون بين العمل في وزارة الثقافة كوزارة ذات علاقة بالشأن الثقافي وبين وزارات أخرى ليس لها علاقة، فكلها بالنسبة لهؤلاء مجرد سلم مراتب صُنع في وزارة الخدمة المدنية!