سعد بن عبدالقادر القويعي
فَرْض واقع جديد على الأرض، يحكمه توصل ممثلي (تركيا وروسيا) عبر محادثاتهم في العاصمة أنقرة، المتعلقة بالأزمة السورية، وتقديم خيارات لإنهاء الصراع في سوريا، ذات فرص تعد الأكثر واقعية، وتندرج ضمن الحلول المطروحة حتى الآن، وبحث وقف إطلاق النار، وتثبيته بصورة كاملة، وشاملة؛ من أجل حقن دماء الأشقاء السوريين، وإطلاق سراح المعتقلين، ودعم المناطق المحاصرة بالمساعدات، والبُعد الإنساني؛ لتخفيف معاناة السوريين الموجودين تحت الحصار، هو - بكل تأكيد - يُعتبر هدفًا ساميًا، ونبيلاً، وسينعكس إيجابًا على محادثات جنيف الرامية لحل الأزمة السورية.
من أجل تحقيق المصالحة تزيد المصاعب في هذه المحادثات، إلا أن مؤشر بدء مرحلة جدية لبحث مشترك عن تسوية سياسية في سوريا يشترط له الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار المعلن في عموم سوريا، وضرورة إنشاء آلية لمراقبة وضمان التنفيذ الكامل، ووضع الحلول اللازمة للأزمة، وتأكيد ضمانات من القوى الفاعلة والمنفذة. كما يلزم ضمانة تنفيذ روسيا في المقام الأول، ودولية بعد ذلك.
قبل أن تتأزم الأمور نحو الانفجار، الذي قد يعصف بسوريا نحو حالة قد تخرج عن السيطرة، فإن موقف إيران يساهم في تعقيد محادثات السلام السورية في أستانا. وكذلك فإن قوات النظام السوري، والمليشيات الإيرانية الشيعية، وحزب الله اللبناني، هم من يقومون بخروقات، وهم الذين ينتهكونه بشكل أساس، التي من شأنها أن تشكل عثرة أمام المفاوضات؛ فالنظام غير جاد، وهو يعتبر أن ساحة الصراع المفتوحة وحدها من تحدد المصير السوري.
تحمل المرحلة الراهنة في طياتها كثيرًا من المخاوف والتساؤلات التي أنتجتها الأزمات في المنطقة، إلا أن الانطلاق نحو الحل السياسي للأزمة تقتضيه قراءة التحولات في السياسة التركية بعد المصالحة مع روسيا؛ فموقفها اليوم لا علاقة له بمواقفها قبل سنتين، وذلك بعد أن غيرت موقفها الرافض لبقاء الأسد، وروسيا التي تدعمه عسكريًّا، إضافة إلى أن روسيا تريد أن تلعب بعيدًا عن فضاء القوى الغربية بصورة تجعلها تستثمر الدور المحوري في رسم مستقبل سوريا، وتستعيد نفوذها في الشرق الأوسط بأكمله؛ وهو أمر يستلزم حدوث تفاهمات إقليمية بالتزامن مع تفاهم دولي على ضرورة الحل السياسي.
في محاولة لتحقيق تقدم نحو هدف أخفق آخرون مرارًا في بلوغه، ووضع نهاية للحرب الدائرة في سوريا منذ ست سنوات، التي أودت بحياة أكثر من 310 آلاف قتيل، فإن محادثات أستانة تبقى تشاورية، وليس في مستوى اتخاذ قرارات نهائية وملزمة حول الأزمة في سوريا؛ وإنما لتسهيل عقد واستئناف المفاوضات في جنيف تحت المظلة الدولية. كما أن الرهانات الدولية والإقليمية لا بد أن تتزامن بجانب الرهانات (السياسية الداخلية)، والمتعلقة بإعادة بناء السلطة، والنظام السياسي.