نجيب الخنيزي
الانقسامات والفوارق الاجتماعية والطبقية المتفاقمة، والأزمات المرافقة لها، وانعدام العدالة الاجتماعية لم تسلم منها الدول الفقيرة أو الغنية على حد سواء. حيث تشهد الدول الصناعية المتطورة ازدياد الهوة، ما بين الأغنياء والفقراء وتتدهور أوضاع الطبقة الوسطى، التي كانت تعد رمزًا للازدهار في دولة الرفاه (الكنزية)، وتتزايد على نطاق واسع، مشاعر الإحباط والتهميش والاغتراب والقلق إزاء المستقبل خصوصًا في ظل ما يسمى بـ«الليبرالية الجديدة» التي اعتمدتها الرأسمالية بغرض مواجهة سلسلة الأزمات البنيوية التي تعصف بها، حيث تفاقمت البطالة وتعمقت أزمة تصريف الإنتاج محليًا وتدنت معدلات الربح في قطاعات الإنتاج وتزايد العجز في الموازنة العامة، ووصل الدين الداخلي والخارجي إلى معدلات خطيرة، وتردت معدلات النمو، والاستثمار، وعلى خلفية تلك الأوضاع اتخذت حزمة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية الموجهة ضد مصالح الغالبية من السكان، نذكر منها السعي لإلغاء دور الدولة في العملية الاقتصادية، وتقليص مسؤولياتها الاجتماعية وتخفيض الدعم المقدم إلى قطاعات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، وتخفيف الضرائب على مداخيل الشركات الكبرى وتقليص نسب الفائدة لتحفيز الاستثمار، وفي موازاة ذلك وعلى خلفية تلك الأوضاع الاقتصادية - الاجتماعية المتردية تفجرت وتعمقت أيديولوجيا التعصب والكراهية من منطلقات قومية وعرقية وثقافية ودينية في معظم المجتمعات الغربية مستهدفة بالدرجة الأولى ملايين العمال والمهاجرين الأجانب (وخصوصًا العرب والمسلمين) الذي تصاعد بدرجة خطيرة إثر أحداث سبتمبر الإرهابية في الولايات، وانعكاسات تفاقم الصراعات والحروب الداخلية التي تشهدها المنطقة وإفرازاتها المتمثلة بالإرهاب وموجات اللجوء.
من جهة ثانية نلحظ اتساع الهوة (على المستويات كافة) ما بين المراكز والأقطاب الرأسمالية الكبرى من جهة وما بين الأطراف والتوابع من جهة أخرى، وهو ما ينذر بتفاقم الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في عديد من البلدان والمجتمعات خصوصًا في ظل خضوع تلك البلدان إلى شروط ومواصفات ومتطلبات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية التي تمثل الأذرع الأخطبوطية لهيمنة وسيطرة أممية «لرأس المال» ومصالحه الممتدة.
فإذا كان الإرهاب والعنف المسلح الذي يستهدف أفرادًا وتجمعات تحت دعاوى سياسية أو أيديولوجية ويؤدي إلى وقوع ضحايا وأبرياء لا ذنب لهم أصبح محل إدانة شاملة من قبل المجتمع الدولي وكافة الدول والشعوب، فماذا نقول عن الإرهاب الاقتصادي المسلط على رقاب الأغلبية الساحقة من الشعوب، تحت عنوان تصحيح الاختلالات الهيكلية والمالية وتحرير التجارة والمال والسلع والخدمات في سوق غابية تنعدم فيها أبسط شروط العدالة والمساواة وتغيب عنها مفاهيم الديمقراطية، الاجتماعية والندية الحضارية والثقافية؟