لا أدري لماذا يستدرجني، يسرقني، يرسمني انثاه، طفلته الأثيرة، يقطفني زهرته اليانعة يتوجني فوق رؤوس كلماته، يغازلني، يعانقني يراقصني على شرفاته، يبهرني وينثرني عطراً في ساحاته، يجذبني من نفسي إلى نفسي بفلسفة عميقة، تدركني تارة ولا تدركني تارة أخرى، تعرفني ولا تعرفني، تربطني بحميميته الساخنة، فأجدني تحت مجهره وهيمنته أتحرك، فيتسع فضاؤه وحضنه لي، تضمني عناصره الكثيرة، وأنواعه الجم الغفيرة، يثير انفعالاتي، فيهتز عرش جماله في قلبي ويرتعش بوتيني وشرياني، يمتلك شعوري الداخلي والخارجي يتمكن مني، أبتعد فيجذبني.
يملأ أرضي بالغيوم الممطرة، وتحت أصنافه (عمودي وتفعيلة) تكتظ حقائبي بالقصائد ودواوين الشعر، فماذا يريد مني؟، لماذا يفرد اشرعته على ساريتي؟، لماذا يحصد انفاسي على بوابته؟، لماذا يصورني ويستقيم لي تماثيل كلام؟، لماذا يلمع في داخلي وميضه كبرق، وتفيض روحي به؟، لماذا تتآلف معانيه والفاظه وتطوقني؟، لماذا يخاطبني ويخاطب كل من حولي في لغة تترجم عواطفي وعواطفهم، ويغربل مشاعري ومشاعرهم، ويلامس العميق مني ومنهم؟. قرأت يوما أن العاطفة سبقت العقل في حياة البشر، فالشعر وليد العاطفة ووليد الأحلام، فالشعر ذكر وفكر و حياة وجدانية سبقت العقل بمراحل، يقول هربرت ريد ( لو استطعنا أن نروي أحلامنا لأمكننا أن نرويها شعرا متواصلا) فالشعر لحظة محورية في حياة الشاعر والمتلقي معا، محرك قوي للتمرد على الحياة الروتينية والقالب التقليدي الذي يدمر روح الإبداع بجموده.
الشعر وحده من يضبط موسيقى الحياة، فيثير رواكد الصمت ومن حق الشاعر الشعبي علينا أن نعترف انه الصوت العفوي، الصادر عن وجدان الجماهير، المنطلق من القلب لكي يستقر بالقلب، هو مناضل يستمد نبضه من نبض كل فرد في المجتمع، ولا يجب ان ننكر أصحابه المبدعين حتى لا نقتل الإبداع فيهم، وان نكون منصفين للساحة الشعرية فيكون هناك تقاسم مشترك بين الشاعر والمتلقي، هو بالإبداع ونحن بالتشجيع والمباركة والبعد عن خفافيش الأدب الذين يئدونه في مهده، حقه أن يقرأ كما يجب وتفرد له في وسائل الإعلام مساحة واهتماما كافيين وجادين فهو مادة وقيمة اعلامية فعالة ووسيلة توعوية تمتد جذورها من الحاضر للماضي، هو جزء من تراثنا الذي يجب علينا تطويره ودراسته وتدريسه وفتحه على اللغة الفصحى وإسقاط اي حدود زمانية أو مكانية نحوه، فتجاهله أو دفنه خسارة لا تعوض، يقول الشيخ عبدالله بن خميس (من أخذ المعطيات الزمانية والمكانية بالاعتبار فهو لا يجزم انه ينمو ويزداد والا فإنه سيتقوقع ويتأخر لأنه امتداد للشعر العربي الفصيح) لذا يجب ان يجد مكانه في كراسي الجامعات وان يرافق هذا الإبداع دراسات نقدية جادة تفرز الجيد وتحتفي به وتستبعد الرديء وتحذر منه ولابد من العزيمة للوصول للغاية.
وهج
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
- مريم سعود