عبدالحفيظ الشمري
يتردد السؤال دائماً عن كُنه علاقتنا كمجتمع بالموروث الشعبي بشقيه؛ المعنوي، والمادي؟ إلا أن الإجابة عليه لا تزال تتشكل وفق مفاهيم عدة. تدور حول ماهية ما يقدم للمجتمع، أو ما قد يقبل عليه من مكونات التراث، وما يعرض أمامه من متعلقات الماضي ومشغولاته، وأعماله، ومنتجات الأجيال السابقة من حرف وأعمال، وما تتناقله شفاه الرواة من مقولات، وأشعار، وألغاز، وحكم، وحكايات تحمل في طياتها تاريخ الإنسان في حقب مضت؟
ففي هذا التشكل الذهني والوجداني؛ يظل الطفل معني كثيرا بأمر هذا المشروع الحضاري، والعمل الإنساني، ليأتي السؤال المهم في هذه المرحلة محملا على صيغة.. ما الذي يمكن أن نقدمه للطفولة والناشئة في مجال التراث الشعبي؟ وذلك من خلال جملة من القنوات؛ منها التعليم، والتثقيف، وعرض التراث من خلال تقنيات العصر الحديث، وتوثيقها بوسائل ووسائط الكتابة، والتصوير بأنواعه المختلفة، إضافة إلى أقنية الحفظ والأرشفة.
وحقيقة لا بد من ذكرها؛ وهي أن التراث بشقيه المعنوي والمادي مهم للأجيال الجديدة، بل ومن الضرورة بمكان أن يتعرفوا على هذا المخزون أو المحتوى التراثي والثقافي، إلا أنه يجدر بنا التأكيد على أهمية الحذر من تبسيط التراث، والتهاون في عرض مكوناته، فقد يؤدي هذا التقديم المبتسر والسريع للإخلال في بناء منظومات العمل التراثي. لذلك يجدر أن تكون هذه العروض مجازة من قبل متخصصين في مجال التراث والثقافة والفنون.
فما يلاحظ هذه الأيام في وسائل وسبل تقديم التراث أنها ترتكز على مفهوم العرض السريع، والتقديم المجتزأ، على نحو ما نشاهده في بعض العروض الفنية والتراثية في المهرجانات والملتقيات والأسواق الشعبية حيث تظهر - على سبيل المثال - رغبة البعض ممن يمتهنون إعادة صناعة الحرف والأدوات والمشغولات في تقديم ما هو سريع ومستهلك، وقابل للتداول، دون النظر إلى قيمته المعنوية، وفائدته المادية.
وبما أن التراث - كما أسلفنا - يتكون من شقين؛ معنوي ومادي؛ فإن حاجة الطفل وجيل اليوم ماسة إلى أن يرتبط بتلك المنتجات، والأعمال، والمشغولات، ليس من خلال الاطلاع والفرجة وحسب؛ إنما من خلال الممارسة والمساعدة في بناء ومحاكاة هذا التراث، وتقديمه بشكل معبر ولافت.
ولكي نقدم مشروع إعادة التراث للطفل يتطلب منا استمالته نحو كل ما هو مفيد من هذه المشغولات، بل والتركيز على الجانب المعنوي؛ كالقصائد، والقصص، والألغاز؛ لتكون ذخيرة لهم في المستقبل من خلال المسابقات واللقاءات.
ولكي تستمر هذه الأجيال الجديدة في تواصلها الحميمي مع الأعمال التراثية، والمشغولات الحرفية فإنه يجدر بالمؤسسات الرسمية والأهلية المعنية بشأن التراث والمحافظة على المهن أن تعطى الأولوية والتسهيلات، والقروض من أجل أن يواصل جيل اليوم مسيرة «أهل التراث» بحرفية، ومهارة عالية.