د. أحمد الفراج
من يتابع الإعلام الأمريكي حاليًا، يلحظ الجفوة الكبيرة بينه وبين الرئيس الجديد، دونالد ترمب، وهي فجوة بدأت بكل تأكيد بانحياز الإعلام ضده، وتطورت مع كل نجاح يحققه، ثم وصلت ذروتها بفوزه بالرئاسة، وهي المفاجأة التي أخرجت اليسار الأمريكي من طوره، ومن هنا نستطيع أن نتفهم ردة فعل الرئيس ترمب وأركان إدارته من الإعلام، إِذ حتى المحايد، مثل كاتب هذه السطور، لاحظ الانحياز الكبير للإعلام ضد ترمب، وهو انحياز جماعي، تتزعمه القنوات التلفزيونية الكبرى، مثل الـ سي أن أن، والـ أي بي سي، والآن بي سي، وتساندها الصحف المرموقة، مثل النيويورك تايمز، والواشنطن تايمز، علاوة على كبار المذيعين والمعلقين والكتّاب، من أصحاب الأسماء الثقيلة.
عندما زار الرئيس ترمب مقر وكالة الاستخبارات المركزية، ألقى كلمته أمام «جدار الأبطال» في مقر الوكالة، وهو جدار يضم أسماء من قتلوا أثناء العمل من منسوبيها، وحينها تحدث ترمب عن دعمه للوكالة، وتقديره لجهودها، ثم قبيل نهاية كلمته، أشار إلى انحياز الإعلام ضده، مبديًا امتعاضه من ذلك، وقد تجاهل الإعلام كل الأشياء المهمة التي ذكرها الرئيس، وركز على الجزئية التي تخص نقده للإعلام، بحجة أن المقام لم يكن مناسبًا لذلك، خصوصًا أنه يتحدث أمام جدار الأبطال، وكان سبب غضب الرئيس هو أن الإعلام عقد مقارنة بين حضور حفل تنصيبه، مقارنة مع الحضور المماثل لحفل تنصيب الرئيس أوباما في عام 2009م، إِذ أعتقد الرئيس أن عقد مثل هذه المقارنة كان يهدف إلى الحط من شأن حفل تنصيبه، وهو محق في ذلك، فقد كان الموقف يستدعي الوئام لا الخصام.
في اليوم التالي عقد المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سباينر، مؤتمره الأول، وألقى بيانًا حادًا، انتقد فيه الإعلام قائلاً: «لو أنكم تحدثتم عن الإيجابيات والسلبيات لتقبلنا ذلك، ولو أنكم أخطأتم واعتذرتم لتقبلنا ذلك أيضًا، ولكن المشكلة هي أن هناك توجهًا عامًا لديكم، يجعلكم تتجاهلون كل ما هو إيجابي عن الرئيس، وتصنعون أخطاء لا وجود لها، ثم تضخمونها..»، وما قاله متحدث البيت الأبيض صحيح، أيضًا، ويلاحظه كل من يتابع الإعلام الأمريكي، ثم في اليوم التالي، خرج المتحدث الرئاسي ثانية، في مؤتمر صحفي، وحاول كل جهده أن يكون في منتهى الكياسة واللطف، ومع أن قلة من المراسلين تجاوبوا مع ذلك إيجابًا، إلا أن معظمهم واصل الضغط على المتحدث باسم الرئيس، وحاولوا استفزازه بشتى السبل، ولكنه ظل متماسكًا، إِذ أعادوا الكرة في الحديث عمّا قاله في بيانه الأول، بخصوص حجم الحشود التي حضرت حفل تنصيب الرئيس، واتهمه أحدهم بالكذب، وهنا نلحظ مفارقة غريبة، فالإعلام الذي اتهم ترمب بأنه تحدث عن حجم الحشود التي حضرت حفل تنصيبه، على حساب القضايا التي تهم المواطن الأمريكي، هو ذات الإعلام، الذي تجاهل هذه القضايا المهمة، ليغرق المتحدث الرئاسي بالأسئلة حول ذات الموضوع!، أي موضوع الحشود، والكذب بشأنها!، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى أي هدنة بين الإدارة الجديدة والإعلام، بل إن الأمر في طريقه للتصعيد، وستكون متابعة ذلك أمر في غاية الأهمية، لأن سطوة الإعلام، خصوصًا في أمريكا، من الممكن أن تقف حجر عثرة في طريق الرئيس، وسنتابع ذلك بكل تأكيد.