عبده الأسمري
في المجتمع خفايا وفي الحياة قصص وأسرار تختبئ وراء جدران الصمت. شكاوى وقضايا ومعاناة تمتلئ بها وسائل التواصل الاجتماعي وبعضها محبوسة في أدراج مسؤول وأخرى تنتظر استيقاظ النظام سراً، ونوع أخير يطاله التهميش جهراً.
قبل زمن كان المكلومون يتراصون بمعاريضهم أمام بوابات الجهات الحكومية وحتى قرب سيارة المسؤول ولا أبالغ حتى أمام منزله.. تطورت المسألة لتبلور الشكوى بالإيميل ثم بالموقع الإلكتروني وغيرها في حين أنه لا يزال هنالك من «مكاتب السكرتارية» من يتبجح بأعذار «الفاكس» وتسويفات «التأجيل».
آهات هنا ومتاهات هناك وويلات تنبع من مسن وقور أو امرأة مقهورة أو شاب ضائع أو فتاة مظلومة أو طفل معنف أو أسرة تناشد وأخرى تستنجد وثالثة تستجير..
المشهد معروف والحالة قائمة ولكن لماذا يلاحق التهميش الضعفاء والمستضعفين والمساكين أكثر من غيرهم.. هنا السؤال الأعرض.!!
وهنا تبرز مخالفة المنطق وقبله الشرع في التعامل مع شرائح هم الأولى والأقرب والأجدى..
ظهرت منذ أعوام مؤسسات المجتمع المدني ولكن صلاحياتها لا تزال محدودة بينما تظل سلطة القرار في الجهات المعنية تتراوح بين الموضوعية والذاتية تشوبها «الواسطات» وتتلاعب بها أيادي الفساد وتسوقها المصالح.
قال لي أحد أصحاب الحاجات قبل أيام إنه لم يعد يطلب شيئاً ولم يعد يكلف نفسه حتى التفكير ليقينه بوجود الأبواب الموصدة ولفتني إلى أن الناس تغيروا وقلّت سمات العطف والرحمة والتعاضد المجتمعي. لذا فإن إغلاق الأبواب ووجود الصعوبات البالغة التعقيد في قضاء أمر أو مطلب من جهة حكومية كانت عنواناً عريضاً ولكن المشكلة تفاقمت وازدادت معها متاهات جديدة تعلقت بالبشر، فلو قيد نظام المعاملات وكان المسؤول أو صاحب القرار فجاً غليظ القلب يجيد إحباط الآخرين ويتفنن في تأخيرهم فما بال قلوب البشر هي الأخرى باتت كأبواب المسؤولين مغلقة تتلبس بإطارات مخيفة يختبئ في داخلها التشاؤم والضيق.
للأسف أن بعض المطالب التي تعد حقوقاً دون أدنى فضل من الجهات والوزارات والمسؤولين تخضع لإجراءات طويلة تختفي معها مسلمات التعامل الحسن وتغيب عنها استثناءات الحالات الخاصة وتغادر من مساحاتها «الشفاعات الحسنة» والمصيبة في الأمر أنها تخص الضعفاء ممن لا حول لهم ولا قوة تسبقها «الآهات الطويلة» ورحلة مضنية من المواصلات والطلبات والتوسلات حتى تصل إلى سدة المسؤولين الذي يزيدونهم رهقاً بينما أن هنالك مطالب غير مكتملة أو غير ضرورية من أقوياء بلا ظروف قد تنتهي باتصال هاتفي أو بالرسالة الشفهية الأشهر لدينا «أنا من طرف فلان» أو أنها قد تتجاذب مع مصلحة مركبة بين صاحب الطلب والمسؤول والنتيجة اختلال الموازنة وترجيح كفة القوي على كفة الضعيف والأخير أولى بالمعروف.
مشكلة بعض أصحاب المناصب لدينا أنهم لا ينظرون للنواحي الإنسانية أثناء دراسة الطلبات لا يلتفتون للظروف الخاصة لتكون مجالاً للدراسة أو حتى التوصية.. وهنالك مشكلة أدهى وأمر تتعلق بالتعامل المفترض مع أصحاب هذه المطالب من الضعفاء ومساعدتهم في مواقع أخرى لتسهيل معاملاتهم أو على الأقل مقابلتهم واحتواءهم بوجه بشوش وتعامل حسن. النظام لوائح مكتوبة على ورق ولكن الأخلاق والتعامل الإنساني قيمة دينية وواجب وحق المسلم على المسلم فلماذا التجهم في وجوه الآخرين وأنفسهم تفيض من الألم ولماذا التهجم عليهم بوضع «العوائق» أمامهم وكيف لمسؤول أو صاحب قرار أن يفصل بين عمله وأخلاقه وأن يضع حاجزاً بين إنسانيته والنظام.
أرى أن من أهم مجالات توظيف النظام معاملة الناس بالحسنى والسواسية وأن يعلم كل مسؤول أنه سيسأل عن أمانته وعن المعاملات التي ينهيها لميسورين ومغتنين ويحبط أصحاب حاجات ومكلومين. وليعلم أن إحسانه ومساعدته لهذه الفئة ستزيده مقداراً وعلواً في الدارين وأن فظاظته معهم ستغلبه ذات يوم.
أتمنى أن تعاد صياغة مفهوم التعامل مع مطالب أصحاب الحاجات وأن يعيد كل صاحب قرار النظر في تعامله معهم لأنهم «أشخاص» يحملون الألم والحاجة لا أن ينظر لهم كبشر لا كمعاملات عليه أن ينظر للإنسان وظروفه وحاجته قبل أن يتخذ قراره بالقلم أو رأيه بالقول..