د.ثريا العريض
في عام 1976 حين عدنا للوطن من الدراسة في الخارج لم يكن هناك عاملة منزلية واحدة في كل الحرم الجامعي. ولم يكن الأمر صعبا فقد كنا نتعاون في البيت وفي الوظائف ونعتني بأبنائنا بأنفسنا. بعد أقل من عشر سنوات تضافرت ظروف ارتفاع سعر النفط, وطموحات مشاريع البنى التحتية, وأجواء الطفرة, وسوق سوداء للتأشيرات ,ليبدأ تدفق آلاف العمالة المستقدمة, وتراكمها بوتيرة مقلقة إلى كابوس. كنت أشعر بالخوف فعلا حين اضطر إلى الذهاب إلى الثقبة أو شارع الظهران في الخبر حيث يتجمهرون بالآلاف صباحا ينتظرون من يستأجرهم للعمل, ومساء ليرفهوا عن أنفسهم بعد العمل.. هذا الشعور بالتوجس أمام تنامي جحافل العمالة بصورة كابوسية التداعيات لمن يعي, ولد القصيدة التي كتبتها في 1984، وشاركتكم في الجزء الأول منها في حوارنا الأسبق, وتتمتها هنا ترسم شعوري وقتها, ونراه اليوم يتحول حقيقة في تفاصيل الأخبار:
الجحافل 2-2
تفيض العيون المليئة بؤسا
وحقدا ومقتا
تزلزل أرضي وتغرس في النبض موتا
أفيق أحس أصابعها فوق نبضي
وأسمع حشرجتي أختنق
وفي الصبح تغدو الجحافل
صامتة في المنازل
تدير المصانع
تسقي المزارع
تبني الطرق
في الصمت تصرخ بي
تراقبني عضلات الوجوه صباحاً
فاقرؤني في تشنجها
معاناتها
تباشير هجمتها في الغسق
وحين ألوذ بحلمي الرفيق
تطاردني الوجوه الكئيبة
فيه تحاصرني
مبللة بالعرق
لماذا تظل الوجوه الكئيبة تملؤني الأرق؟
ومن ذا ألوم
أنا في صفاء سمائي
زرعت الوجوه الكئيبة
نثرت البذور وسم البذور
بنبض بلادي الحبيبة
وقفت على هامش الزمن الهش
أرقبها تتدفق
أرقبها تنطلق
تشق صفائي بضوضائها
وتزرعه لكنة وقلق
في عمق نظرتها الكابية
أرى الصمت منعتقاً يصطفق
أصغي وأسمع في خفق أهدابها
تأجج أحلامها في الصدور
تمتد ألسنة لتأكل حلمي الوليد النزق
أداري الشعور الذي يعتريني إذ تحاوطني
جحافلها فيهددني بالغرق
اليوم علينا أن نجد حلا لإشكالية ملايين المستقدمين وملايين المواطنين العاطلين. لم يعد ممكنا التعايش مع المتناقضات . وما كان نصف مشكلة في رؤية زمن الوفرة أصبح مشكلة متضخمة في زمن الوعي بالندرة وشد الحزام.
أشكر الله أننا الآن واعين, نرى برؤية مستقبلية مدروسة, وندرك أن استمرار الحال والتوقعات برؤية السبعينات غير ممكن في واقع ما بعد الألفية والنمو السكاني. وعلينا العمل معا برؤية 2035.