الموقع والمساحة الجنادرية اسم لروضة كانت تُسمى روضة سويس، ذكرها الهمذاني وغيره من المؤلفين الذين كتبوا عن المنازل والديار في اليمامة، وهي من الروضات الملحقة بوادي السُّلَي المعروف. وفي اللغة، جندر الثوب ونحوه: أعاد رونقه بعد ذهابه؛ وجندر الكتابَ ونحوه: أمرّ القلم على ما درس منه ليتبيَّن؛ وجندر الشيء: صقله بالجندرة. والجندرة: آلة خشبية تُتَّخذ لصقل الملابس وبسطها. وقد تكون لفظة جنادرية مأخوذة من كلمة الجندرة لتدل على الذين يعملون بالجندرة وعلى منازلهم. وكان أهالي الرياض سابقاً يقصدون الجنادرية بعد نزول الأمطار وظهور النبات والأزهار في الربيع. وهي على مسافة 45 كم في الجهة الشمالية الشرقية من وسط مدينة الرياض، وتقوم عليها منشآت القرية التراثية على مساحة 6 كم تقريباً.
تعد المهرجانات الوطنية للتاريخ وللتراث والثقافة والحضارة التي ينظّمها الحرس الوطني في الجنادرية كل عام مناسبة تاريخية في مجال الثقافة والتراث والحضارة والإبداع ومؤشراً عميقاً للدلالة على اهتمام قيادتنا الحكيمة الرشيدة - وفَّقها الله - بالتراث والثقافة والتقاليد والقيم العربية والإسلامية الأصيلة.
كما تعد مناسبة وطنية تمتزج في نشاطاتها عبق تاريخنا المجيد بنتاج حاضرنا الزاهر. ومن أسمى أهداف هذا المهرجان التأكيد على هويتنا العربية الإسلامية وتأصيل موروثنا الوطني بشتى جوانبه ومحاولة الإبقاء والمحافظة عليه ليبقى ماثلاً للأجيال القادمة جيلاً بعد جيل بإذن الله.
وتولي وتؤكد الرعاية الملكية الكريمة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - وفقه الله ورعاه وسدد خطاه - للمهرجان الأهمية القصوى التي توليها دائما قيادة المملكة الرشيدة لعملية ربط التكوين الثقافي المعاصر للإِنسان السعودي بالميراث الإِنساني الكبير الذي يشكِّل جزءاً كبيراً من تاريخ البلاد.
طلَّ علينا مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة، وهو بلا شك مهرجان الوطن والمواطن الأكبر تراثياً وثقافياً وحضارياً من حيث ما يجند له من إمكانات على جميع الأصعدة، وما يشهده من حضور على المستوى المحلي والعربي وحتى الدولي التي انطلقت للوهلة الأولى عام 1405هـ، وبالتحديد في الثاني من شهر رجب، حاملة اسم (المهرجان الوطني الأول للتراث والثقافة) والذي افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله رحمة واسعة-.
حقق المهرجان الوطني الأول للتراث والثقافة الذي افتتح في 2 - 7 - 1405هـ من خلال نشاطاته المتنوعة بعضاً من أهدافه المرسومة في تأكيد الاهتمام بالتراث السعودي وتذكير الأجيال به وتوسيع دائرة الاهتمام بالفكر والثقافة والحضارة والتاريخ، وكذلك الحفاظ على معالم البيئة المحلية بما تحمله من دروس وتجارب. وحين نتذكر تاريخياً كيف بدأ ذلك المهرجان الذي يمثِّل واجهة من أهم واجهاتنا الثقافية بسباق للهجن لتتسع دائرته وتشمل كل فنون التراث التي شدت نحوها كبار الباحثين في الشرق والغرب نفهم من ذلك أن حركة التطوير في هذا الكرنفال لن تقف عند حد ولم يستنفد القائمون عليه بعد كل ما لديهم لتقديم المزيد من أجله. وهو هدف سعى له خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - أيَّده الله - مبكراً، وكانت غايته أن يجعل من هذه المؤسسة مركزاً لا يقتصر على بنائه الأساسي الأمني، وإنما تتنوّع داخله اتجاهات علمية وتربوية وثقافية وتراثية وحضارية وإبداعية. وبالفعل وجدنا الحرس يغرس مفاهيم جديدة أعطت المملكة دلالات مختلفة، وجعلتها من خلال المهرجانات التي تنعقد بها وجهاً آخر يغذي صورة إِنسان متنوّع الاختصاصات والمفاهيم والثقافة، والتحضر والتطلع إلى حياة أكثر غنى في قضاياه الخاصة ووظائفه المتعددة.
يمثِّل مهرجان الجنادرية إحدى أهم الفعاليات الثقافية والحضارية ليس في المملكة فقط، وإنما أيضاً في العالم العربي والإسلامي والعالم بأسره، بعد أن شهد في السنوات الماضية مشاركة مفكرين عالميين طرحوا آراء جدلية واستمعوا إلى آراء مفكرين آخرين. واكتسب المهرجان الوطني للتراث والثقافة ومنظموه خبرة واضحة في التنظيم والتخطيط واختيار الفعاليات العملية والجذابة، إلى أن أضحت الوزارات والمؤسسات العامة والشركات الخاصة تحرص على المشاركة في فعاليات المهرجان كي تشارك بالحضور في أذهان الزوار، وكي تعرض جهودها وابتكاراتها وإبداعها وخططها وإمكاناتها، إِذْ أصبح المهرجان يمثل - أيضاً - وسيلة اتصال إعلامية وثقافية ومعرفية مهمة تحظى باعتمادية شعبية كبيرة.. ويبرز المهرجان الذي ينظّمه الحرس الوطني في الجنادرية تنامي رسالة الحرس الوطني الحضارية في خدمة المجتمع السعودي التي تواكب رسالته العسكرية في الدفاع عن هذا الوطن العزيز الغالي وعقيدته وأمنه واستقراره واقتصاده!
إن الآمال المعقودة على المهرجان الوطني للتراث والثقافة كبيرة، وبإذن الله، فإنه سيبقى صعيداً تلتقي عليه جميع قطاعات المجتمع السعودي بمختلف أجياله وبقاعه، وكل الأجيال من كل المناطق، ليكون صورة الحضارة الإِنسانية المشرقة في المملكة العربية السعودية، وملتقى الوطن العربي والإسلامي الكبير في رحاب الثقافة والتراث. كما نأمل ونرجو ونريد من أصحاب القرار -حفظهم الله ورعاهم وسدد خطاهم- أن يحول اسم مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة إلى مؤتمر الجنادرية العالمي للحضارة والتراث والثقافة والتاريخ، فهو جدير بذلك. وفَّق الله الجميع للصالح العام وإنا لمنتظرون.