رحل مساعد الرشيدي ولكن شمس نظمه بيننا ساطعة بيد أن حروفه استمدت من خيوط الشمس وهجها ودفء أنفاسها وسطوع فكرتها.. فإن كان حافظ إبراهيم هو شاعر النيل فإن مساعد الرشيدي بلا ريب هو (شاعر الشمس) وحادي ضوئها:
عاشقك جا يقود الشمس وتقوده
دفتره ياسمين.. وغيمته ناهد
والشمس عند شاعرنا شموخ وعزة فإن كان الفيتوري قد (حرَّقته بالحرارات الشموس) فشموس الرشيدي ضوع الورد مضمخة بأريج الرياحين وأنات المحبين:
يا شمسي اللي تدلي بالسماء قرطك
عن كل هالورد هذا القلب عبادك
طلي وهلي على صدر البحر خطك
وش تالي أخبار ريحانك ورينادك
نعم مضى شاعر الشمس بكبرياء لا يساوم بظل يتقي به شر الحرور، ولا بفيء يستظل به من وعثاء الترحال:
إن كان شمسك تساومني على ظلك
ما عاد أبي منك لا شمس ولا فيه
إما تعالي لقلب فز لك كلك
وإلا اتركيني ما أبي لك بالهوى جيه
والكبرياء عند شاعرنا إرث ومبدأ فهو الفارس الجحجاح الذي ما لثم سيفه ولا فتر عزمه، فهو ابن المؤسسة العسكرية الوطنية السعودية التي كانت وستظل مصنعاً للرجال وعريناً للأبطال فليس غريباً أن يكون مساعد الرشيدي فارساً وشاعراً مدافعاً عن بلاده بالسنان واللسان فكأني به متمثلاً أبيات البارودي:
أنا صاحب الكلم النوادي
بين الحواضر والبوادي
أنا شاعر أنا فارس
في كل ملحمةٍ ونادي
فإذا ركبت فإنني
زيد الفوارس في الجلاد
وإذا نطقت فإنني
قس بن ساعدة الإيادي
وشاعرنا لم ينس الشمس وهو يكتب لوطنه ويسطر أمجاد بلاده ويضع روحه على راحتيه فداءً وتضحية..
وطن.. يسعد صباحك يا وطناً.. والعمار فداك
تباكرك الرعود.. وينثني لك غصن بارقها
وطن.. يسعد مساك.. الشمس ما غابت تبني فرقاك
تعدّت للمغيب.. تعلّمه عن طيب مشرقها
إن هيبة الفارس عند مساعد الرشيدي لم تنل من رقة الشاعر وأنفاس وجدانه التي تتهدج حاسرة الرأس عند كل جمال مستشفة في كل شيء جمالاً، وحينها تستبد بالفارس حيرة الشاعر ليمضي رانحاً بين مروج العشق أو مغتدي عجلان ذا زادٍ وغير مزود:
شاعر من عيونك يطلب الزوده
جا يجدد قديم الولف ويعاهد
الله اللي طوع العطر لبنانه
ما نشت قرنفلة عن ياسمينه
كنت أسولف للندى عن قحويانه
قبل يجمعه المطر بين اصبعينه
و(شاعر الشمس) وإن هامت حروفه وتدلهت وذابت واحترقت في محاريب العشق إلا أن كبرياء الفارس لا يخبو أواره متمثلاً بـ(لبيد) فاقطع لبانة من تصرَّم وصله و(لشر قاطع خلة صرَّامها):
يندمل جرح قلب ماتت أحلامه
بس ماضن يبرا جرح الإحساسي
يوم صارت ما بين القلب والهامة
ويش ابي بالحياة اليا انحنى رأسي
ورحل شاعرنا مترجلاً عن صهوة جواده تاركاً للأجيال القادمة إرثاً عظيماً من وهج يراعته ودفق براعته ومداد عبقريته، نعم رحل مساعد الرشيدي (شاعر الشمس) وترك لنا بقايا من شعاع وضوعاً من عبير وشيئاً من خوف:
حتى السنين اللي عطت
وحتى الدموع اللي بغت
صارت تخاف
- عساف راشد الرشيدي