سعد بن عبدالقادر القويعي
في النهاية، إن اقتراب وزارة العدل السعودية من إنجاز مدونة للأحكام القضائية، تضم ثلاثة آلاف مادة؛ لتكون مرجعًا يوحِّد الأحكام القضائية، وترجع إلى الترتيب، والتبويب؛ حتى يسهل للقضاة والمحامين والجمهور معرفة الحكم ضد قضية ما، أو لمصلحة قضية ما، وحتى تشكل حماية للشريعة الإسلامية، وحراسة لتطبيق أحكام كتاب الله، وسُنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، بانسجام تام مع متطلبات العصر، وظروفه، وخصوصًا بعدما استُجدَّ في زمننا من توسع المحاكم، وزيادة عدد القضاة، إضافة إلى كثرة الحوادث، وتشعبها، وضعف الملكة العلمية عند كثير من طلاب العلم في الكليات الشرعية التي تخرّج القضاة.. يُعتبر مطلبًا في غاية الأهمية.
إنَّ تجدُّد الحديث عن الموضوع القديم والمتجدد في الدعوة إلى تقنين القضاء سيكون من أبرز ثمراته اليوم العمل على تقليص حجم التفاوت بين الأحكام القضائية. وفي المقابل، فإن إلزام القضاة بحكم معين هو المعنى الأهم الذي تأخذ الكلمة منحاه، وهو مناط حديثنا؛ كونه يتعلق بأحكام التعزير التي للقاضي الاجتهاد فيها، بما تمليه ظروف التقاضي.. ومن هنا ينشأ التباين في الأحكام في قضايا متشابهة، إضافة إلى فتح أفواه المغرضين، الذين زعموا كذبًا عدم قدرة الشريعة الإسلامية على مواكبة العصر. ودون التقنين لأحكام القضاء سيكون القضاء في نظر المتقاضي ضربًا من الغموض والتناقض.
على سبيل المثال، فإن التفاوت الذي يتعلق بظروف كل قضية جعل من الدول الأنجلوسكسونية، التي لا تقنن، مثل (أمريكا)، تعتمد على السوابق والاجتهاد القانوني والأعراف، كما أن الدول اللاتينية التي تعمل بالتقنين، مثل (بريطانيا)، لم تنتهِ فيها مشكلة الخلاف بين القضاة حتى هذه اللحظة. وهي إشكالية معقدة، وتعقيدها يعقّد الأمور؛ باعتبار أن القضاة قد يقع بينهم تفاوت في تفسير نصوص القانون أحيانًا وفي تطبيقه أحيانًا أخرى.
سيُسهم تدوين الأحكام القضائية في إيضاح ما استقر عليه الحكم في القضايا، إلى جانب اختصار الوقت، وتخفيف الجهد على ناظر القضية؛ لما في ذلك من تدعيم الوعي الشرعي، والنظامي، وتحقيق مبدأ الشفافية، فضلاً عن إضافة الجوانب التطبيقية للجهات المعنية بالبحث الشرعي والنظامي، ولاسيما الجهات الأكاديمية والتدريبية، وغيرها.. وهو ما أكده وزير الشؤون الإسلامية ورئيس اللجنة الشرعية لمشروع إعداد مدونة الأحكام القضائية معالي الشيخ صالح آل الشيخ، بأن الدور القضائي المتوقع للمدونة في حال إطلاقها يتبلور حول: «صياغة الأحكام في شكل مواد، يرجع إليها القضاة حفظًا للوقت والجهد، وتفعيلاً لمبدأ العدالة الناجزة، وتسريعًا لوتيرة التقاضي.. كما تسهم في تعزيز مفاهيم العدالة، والحياد، والشفافية، إضافة إلى أنها ستسهم في نشر الثقافة العدلية».
الجميل في مدونة الأحكام القضائية أن موادها قد أشرف على إعدادها ومراجعتها نخب علمية متخصصة، ويُعد أعضاؤها من أبرز الأسماء الشرعية التي لها أهميتها في المجتمع، بما يجعلها أكثر تماهيًا مع القواعد الشرعية، والمصالح العامة، إضافة إلى احتوائها على ثروة هائلة من الأحكام، تسهل على القاضي الرجوع إليها؛ للتعرف على الحكم في القضية المعروضة عليه.