عماد المديفر
يقول تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حول تنظيم الإخوان المسلمين يعود تاريخه للعام 1986م، بأن أهداف التنظيم الاستراتيجية تتفق وأهداف التنظيمات الإسلاموية الإرهابية المتطرفة الأخرى كالقاعدة وحركة الجهاد الإسلامي وجماعة التكفير والهجرة وغيرها.. وذلك في مسألة العمل على اسقاط حكم الدول العربية وإقامة ما يسمى تضليلاً بـ دولة «الخلافة الإسلامية» على أراضيها.. إلا أن التنظيم أصبح أكثر براغماتية وخبرة سياسية من غيره من التنظيمات «الجهادية» الإرهابية الأخرى كونه يسبقها في النشأة، وتعلم من تجاربه العنيفة والصدامية السابقة، مما دعا قياداته لمراجعة سياسات التنظيم العامة واستخدام «تكتيكات» مرحلية تتناسب والواقع الذي يعيشه التنظيم كي لا تتكرر الأخطاء السابقة فيقع في مواجهة مباشرة وغير متكافئة مع الحكومات والأنظمة العربية مما قد يتسبب بالقضاء عليه أو اضعافه واضمحلال قوة تأثيره.
ويكشف التقرير الأمريكي المفرج عنه حديثاً وبشكل مباشر «حربائية» تنظيم جماعة الإخوان المسلمين والتي سبق وتحدثنا عنها مراراً.. وأن التنظيم على استعداد كامل لـ «ارتداء لباس العلمانية والديمقراطية» أو «لباس الليبرالية» وادعاء التحضر والاعتدال.. للوصول إلى أهدافه.
بل وأبعد من هذا؛ إذ اكتشف معدو التقرير أن «الإخوان المسلمين» على استعداد للتحالف مع الأحزاب «العلمانية» و»الليبرالية» وغيرها، والوشاية ببعض التنظيمات الإرهابية الإسلاموية، والتضحية ببعض عناصرها لدى بعض الجهات الحكومية والدولية، والتعاون مع الأنظمة الحاكمة التي هي في حقيقتها الهدف الرئيس للتنظيم.. وذلك في سبيل الحصول على شيء من الثقة والموثوقية.. ولكسب الوقت.. والتمكن.. ولتترك لعناصره حرية الحركة واستكمال التغلغل والسيطرة على مفاصل «التعليم» والمهن الاحترافية كالطب والهندسة والكمبيوتر وغيرها.. والتغلغل داخل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية عبر عناصر يتم تسهيل عملية تمركزها تمهيداً لساعة الصفر.. والتي وفق أدبيات التنظيم تحتاج لمرحلة اعداد كبيرة تتطلب السيطرة على المجتمع والوعي المجتمعي بكامله عبر أدوات «التعليم» و «الإعلام» كخطة بعيدة المدى تسميها بـ «الجهاد السلمي» أو «الجهاد غير العنيف».. وأنها أنجع الوسائل للوصول إلى غاية التنظيم المتمثلة في «تحقيق الثورة الإسلامية» و «إسقاط أنظمة المنطقة».
كما وضح بجلاء لمعدي التقرير بأن ما يسمى بـ «الثورة الإسلامية في إيران» هي الانموذج الأمثل الذي يريد أن يصل إليه التنظيم، وأن التنظيم لا يعمل في مصر فقط.. بل هو فاعل جداً ويعمل بنشاط في كل من «الأردن، الكويت، السعودية، اليمن الشمالي.. وفي غيرها من دول المنطقة».. وأن الشق الاقتصادي والاستثماري والمالي يحظى بأولوية مرتفعة لرفد أنشطة التنظيم، وجعله أكثر قوة وصلابة.. وأن استثمارات التنظيم قوية فعلاً ومتنوعة ومنتشرة حول العالم.
وخلص التقرير إلى نتيجة رعناء ساذجة مفادها أن «دعم التنظيم» سيتسبب في «اضعاف الحركات والتنظيمات الإسلامية المتطرفة.. واحتواء العنف الإسلامي» كون التنظيم «معتدل» مقارنة بغيره.. ويستطيع السيطرة على عقول وقلوب الجماهير الإسلامية..!
هذه الخلاصة كانت حقيقةً هي الطعم الذي استطاع من خلاله تنظيم الإخوان المسلمين الحربائي خداع ليس المخابرات الأمريكية وحدها.. بل وأيضاً العديد من الأنظمة العربية في المنطقة.
لقد ابتلعت الطعم بالفعل وتعاونت بشكل أو بآخر معه.. أو على أقل الاحتمالات تغاضت عن أنشطته.. لجهلها بحقيقته.. ومغيباً عن وعيها - في حينه- أن فكر التنظيم وعرابيه هم أس فكر التنظيمات والجماعات الإرهابية الأخرى بما فيها النظام الإيراني نفسه.. وأن تنظيمات ارهابية كالقاعدة ليست في الواقع إلا أحد الاذرع المسلحة لهذا التنظيم الأخطبوطي الشيطاني المتعدد الأذرع ما بين مسلحة وتربوية دعوية تعليمية تجنيدية وأذرع سياسية.. ولربما علمت هذه الأنظمة خطورة التنظيم لكنها توقعت القدرة على احتوائه.. وأنه يمكن التعامل معه ولو مرحلياً للقضاء على التنظيمات الإرهابية المسلحة المتطرفة الأخرى.. كما فعل نظام الرئيس المصري السابق «حسني مبارك».. إلا أن الأحداث والوقائع أظهرت أن التنظيم هو من استطاع الالتفاف على نظام «مبارك» وليس العكس.. بل وخلافته ووراثة حكمه من خلال العنصر الإخواني «محمد مرسي».
جوهر هذا التقرير في ظني والذي من المهم الإفادة منه، ومعرفة ساعة الصفر لتحرك تنظيم الإخوان لقلب أنظمة الحكم في المنطقة.. هو استشراف الفريق المعد للتقرير بأنه وبناء على أن التنظيم استطاع بالفعل ومن خلال هذه الاستراتيجية البرغماتية في التعامل مع النظام الحاكم؛ السيطرة على التعليم وعلى النقابات الحرفية كالمهندسين والأطباء.. واستطاع أن يوجد له موطئ قدم في الجيش والشرط والقضاء والتغلغل في مفاصل الدولة.. والسيطرة على «الوعي المجتمعي».. فإن ساعة الصفر هي لحظة ضعف النظام الحاكم «اقتصادياً».. والنموذج هنا هو نظام الرئيس المصري «حسني مبارك».. حين ضاق الخناق عليه مادياً.. وكثرت البطالة والتذمر بين الشباب .. انطلقت صافرة «الثورة».. والتي تم تغذيتها عبر سنين في «اللاوعي» الجماهيري عبر فترة ما سمي بـ «الصحوة».. والوضع في مصر لا يختلف عنه كثيراً في أمصار أخرى.. لكن في اللحظة المناسبة بزعم هذا التنظيم الإرهابي الدولي.
إلى اللقاء.