د. خيرية السقاف
هذه الحجرة الصغيرة المنزوية في جوفك, المكتظة بترتيبها الخفي بتفاصيل حصَدَتْـها لك, خَزَّنَتْـها بما هو منك, شئتَ, أو لم تشأ !..
هذه الحجرة خزينتك المكنونة, كلما حان وقتٌ بك في عبورٍ يُماثل, أو موقفٍ يُشابه, أو مفارقة تُدهش ألهمتك بما فيها يشبه, ويماثل, ويختلف,
حينها تجعلك إما إلى بهجة, وإما إلى حسرة!..
ما يبهجك مررت به, تعرضه عليك, فيأخذك كالطائر تحلق بجناحين وثيرين من الفرح,
الفرحُ بك حصيلتها, حصادك ..
تتباهي بما فعلت, ففعلك وحده ما يرفعك للمدى محلقاً,
أو يخفضك للردى مُغتالاً..!!
أجل فأنت من يغتال نفسه, أو يحييها..
ففعلك هو شاطئك, وفنارك, مجدافك, وسفينتك,
وجهتك, وسنارتك , ومرساك, وصيدك!!..
الخاتمة, إنه المحور, والمدار,
فالنتيجة, والثمار !!..
ما تختزنه لك في أركانها الباقية فيك, بعمارك ما فيها,
شئت أم أبيت,
تكتشف دوماً أنك لا تملك فيك غيره, فعلك نيةً, وفكرةً, وحركةً, وسكوناً, صوتاً, وصدىً !!..
أنت تبصم بكل حركاتك داخلها خريطة مطابقة لما تفعله خارجها,
هي النسخة المطابقة لنسختك الأولى,
هي أنت كما الأصل, والصورة, كما أنت أمام المرآة, ومنعكساً فيها,
كما أنت في حيز حركة وسمك, وإطار وسم رسمك! ..
هذه الحجرة في جوفك, ليست معك فتنحت ما لا ترغب فيه منك,
وليست تكذبك لأنها أمينة على تفاصيلك,
في لحظة ما, تعرض عليك ما اقتنت منك, وما جمعت عنك, وما حفظت لك,
حين يخطر لك بإرادتك أن تسترجع بعضاً فيها, أو حين تفتح هي لك عنوة دون إرادتك أبوابها , فلسوف تدلق لك التفاصيل, تماماً كما تفعل بك عند التشابه, والتماثل, والاندهاش فيما يمر بك في لحظة, فتأتيك بأمانتها كي تريك ما تشابه, واختلف, وتماثل..
هي حين حضورها مشرعة الأبواب فأنت إما إلى الضمير يُجْلَـد, أو إليه يُسْعَد..
تكون حينها بين أجمل لحظاتك إن وجدتها لا تقصيك عنك بما هو منك يسعدك, ويسرك,
لكنها ستكون أشد وطأة عليك حين تباغتك بما يحرض أحزانك, ويوقظ حسرتك وقت أن تعرض عليك ما فيها فتحضر خيباتك, وفشلك, وخساراتك!!..
هذه الحجرة الخفية فيك, ومنك, لا تملك مفاتيحها, ولا تختار ما فيها,
ولا ترسم مواعيدها بين يديك حين تشرع أبوابها,
وتهمي !! ..
ألا تستعيد في حائطك النظر للساعة,
وفوق الشجرة إلى ثمرة لم تُجنَ فجفت؟!...