د.دلال بنت مخلد الحربي
تحفل كتب الرحلات الأجنبية بمعلومات غزيرة عن الجزيرة العربية خاصة في القرون المتأخرة، وهي في الفترة التي غاب فيها التدوين التاريخي عن المناطق غير الحضرية من قبل المؤرخين العرب.
والعجيب في الأمر مع كثرة الرحلات العربية والإسلامية من شخصيات عربية وإسلامية من مصر وتونس والمغرب ومن شبه القارة الهندية وغيرها كثير، إلا أن التركيز كان بالدرجة الأولى على المدينتين المقدستين مكة والمدينة وفِي الغالب على ما يحدث في موسم الحج ومن التقى بهم الرحالة (الحاج) في المدينتين وما جرى بينهم مع وصف للمناطق التي مر بها فإن كان من المغرب فإنه يتحدث عن رحلة البحر والنزول في الإسكندرية والمرور بالقاهرة ثم الانتقال إلى الجزيرة العربية عن طريق الحج المصري، وإن كان من مناطق الشمال أو الشرق فعن طريق الحج الشامي.
ومع كثرة ما نشر من ترجمات من الرحلات الأجنبية في الفترة الأخيرة وبالذات من هيئة أبو ظبي للسياحة /دار الكتب الوطنية في أبوظبي (الإمارات العربية المتحدة)، وبالاطلاع على بعضها نجدها تحفل بمعلومات غزيرة جداً عن كل ما يتعلق بالجزيرة عن الإنسان والطبيعة والحيوان والنبات.
ومن مجموع هذه الرحلات يستطيع الإنسان أن يقارن ما حدث في المناطق الصحراوية على وجه الخصوص من تغيرات عبر السنين ومقارنة ما ذكره رحالة القرن الثامن عشر مع ما ذكره رحالة في القرن التاسع عشر أو العشرين يبرز فروقات واضحة في نمط الحياة البدوية وفِي التغيرات السكانية.
ولا شك أن مع ظهور هذا الكم من الرحلات الغربية فإنه من المفترض أن تنشط الدراسات التاريخية، ومتابعة حياة الإنسان في الجزيرة العربية خارج إطار المدن الكبيرة المعروفة بما تضمه من معلومات هي وسيلة لكل باحث مجتهد في التوجه نحو قضايا محددة بعينها، وتتبع ما كتب في تلك الرحلات يساعد على التعرف على أحداث قد لا نجدها في كتب التاريخ المعروفة والمتداولة، وقد تفوت أيضاً على الباحث العلمي في مجال الحيوان والنبات والظواهر الطبيعية.
إلى جانب كل ما أشرت إليه سابقاً فإن هذه الكتب تقدم صورة أيضاً جميلة بما كانت تعنيه الصحراء لكثير من الرحالة الأوربيين الذين جازفوا بحياتهم وخاضوا في بحر متلاطم من الصعوبات لتحقيق حلم اقتحام هذه الصحراء التي تمثل لغزاً يبحثون بكل جلد لفك طلاسمه، وأيضاً من حيث اللغة والأسلوب نجد إبداعات في الوصف وروحاً شاعرية في التعبير عن مشاعر إنسانية للإنسان الغربي الذي قدم من مناطق النباتات والجليد والتحضر، إلى مناطق جرداء ليس فيها إلا الصمت والسكون وجبال الرمال والسكان من البدو الذين عاشوا الحياة بقسوتها دون أن يفكروا في ترك أرضهم أو التنكر لمواطنهم بل كانوا حسب الوصف في الغالب يعشقونها ويألفون كل جزء فيها.