كثير من المواقف تمر بنا دون أن نقف ودون أن نعي تأثيرها على حياتنا على المدى البعيد، نأخذ تلك المواقف والأحداث كمسلمات، نقبلها ونتعايش معها، وخاصة إذا ارتبطت بموضوعات حساسة، فلا نجعل لأنفسنا حيزا للتفكير لتعديلها أو البحث عن بدائل لها لتخدم متطلبات الوضع الراهن، وتتفق مع قيمنا وأداء رسالتنا الدينية السامية على أكمل وجه.
ولتوضيح الفكرة، لنأخذ هذا الموقف الواقعي في طائرة للخطوط السعودية متجهة في رحلة دولية مدتها 16 ساعة، وكما هو معتاد لا يوجد بها مقعد واحد شاغر، وعندما حان وقت الصلاة تزاحمت دورات المياه وأصبح هناك طوابير من الرجال والنساء، لأخذ دورهم لدخول دورة المياه للوضوء، وهذا حقهم، وبعد ساعتين أصبحت الطائرة وكأنها سفينة مثقوبة على سطح البحر، تسربت المياه في كل الممرات، وانتشرت الروائح في كل أرجاء الطائرة، هذا الموقف بالتأكيد لن نراه على خطوط أخرى أجنبية، لا يعني إدانة الخطوط السعودية ولكن لأن هناك أمراً وسلوكاً يحدث يفوق ردود فعل الخطوط السعودية وأنظمتها.
موقف واقعي آخر لأحد المؤتمرات العالمية المقامة في مدينة الرياض وفي أحد الفنادق الفخمة، والذي حضر لها متحدثون من مختلف دول العالم، وعندما حان وقت الصلاة تحركت جموع النساء نحو دورات المياه للوضوء لأداء الصلاة، كما التحق بهن النساء الأجنبيات لقضاء حاجتهن، وكنتيجة لذلك تسربت المياه في كل مكان من جراء عملية استخدام المياه للوضوء، إلا ان النسوة الأجانب بقين في أماكنهن في الانتظار لأكثر من ساعة، لاعتقادهن ان هناك من سيأتي لتجفف الأرض، وانه سيتم وضع لوحة مكتوب عليها (خطر، لا تقترب، الأرض مبللة) وهذا الإجراء معروف ومعمول به عالميا، حيث إن الأرض المبللة مدعاة للانزلاق والسقوط، وهؤلاء النسوة، يدركن عواقب ذلك، لا يردن المخاطرة وخاصة ان عددا منهن كبيرات في السن، ولديهن الوعي بما قد تسببه تلك الأرضيات المبللة وبمقاضاة الجهة المتسببة.
هذه المواقف غير المرئية فكريا متعددة، تحدث يوميا وبشكل مستمر في معظم الاماكن العامة، ويتضح الاستخدام الخاطئ للمياه بغرض الوضوء سواء في الجامعات أو المدارس أو المطارات وغيرها. إن وجود تلك المياه وما ينطوي على تسربها من اضرار، يستدعي النظر للموضوع بجدية والبحث عن حلول تتوافق مع الوضع الراهن، حيث ان الدين الاسلامي دين يسر، فمثلما أجاز نبينا صلوات الله عليه وسلامه باستخدام التيمم كبديل للوضوء بالماء لينسجم مع ظروف الحياة وانعدام الماء وندرتها عند التنقل والسفر في البر، يقابلها ايضا ما يحدث في العصر الحاضر من تبدل مجتمعي وعالمي، ونحن جزء من العالم، نتبع أنظمته وقوانينه،مما يستدعي إيجاد طرق حديثة لتحقيق الوضوء السليم، ومن جهة أخرى مراعاة معطيات العصر. إن الحلول قد تكون متعددة ولكنها تنطوي على وجود اتفاق لكبار العلماء والمشايخ- حفظهم الله ورعاهم- على إجازة الأسلوب الامثل لتحقيق الوضوء السليم، والذي يتوافق مع متطلبات العصر، كإجازة استخدام مغلفات بها عدد من المناديل الورقية مبللة بمياه زمزم لاستخدامها للوضوء على ان يراعى عدد المسحات وفق الترتيب المأخوذ به بعملية الوضوء. الحلول متعددة، ولكن المهم معالجة الموقف والتخلص من السلوكيات السلبية المصاحبة لعملية الوضوء في العديد من الأماكن العامة ومن أهمها الطائرات والمرافق العامة.