د. خيرية السقاف
الأدباء وكل المبدعين هم الفئة الأجمل في المجتمع البشري..
هم الذين يصنعون الجمال, ويحفرون تربته, ويبذرون حبوبه, ويسقون نباته, ويرعون شجره, ويقدمون ثماره للناس على أطباق أخيلتهم بلا سؤال, ويرفعون لهم أوتاد أفكارهم دون منَّة, بمشاعرهم, ورؤاهم ..
بمعنى أنهم من يعجنون أرواحهم أرغفة عسلية يسدون بها جوع الناس, ويسقونهم شهده رحيقاً..
هؤلاء الفئة الرهيفة الشفيفة, السامية النبيلة المحلقة التي لا تتوسد بفكرها أرضاً, ولا تخوض بنبلها طمياً, ولا تتلطخ بذنب حقدٍ, ولا بدكن سوء، كيف لها أن يهتك ستر ضعفها عن وهن أجسادها, عند تأخر قواها, وانكفائها على ذواتها, وصمتها في عزلة تراخيها عن الغوغاء في لوثة الصاخبين, فيأتي من يكشف عن صبر حملها, ويزيح عنها لجام صوتها, ويحدث عن حالها, ويحرج صورتها, ويضعها على قارعة الطريق على مشهد الغادين إيابًا وذهابًا مستجديًا لمرضها طبًا, ولعلتها دواء, ولحاجتها مالاً, ولوهنها عوناً, وهي في صمتها المهيب, وصبرها الجليل بمثل ما كانت في سيرورتها النبيلة التي انقضت؟!
أفبعد أن كانت للناس رسل الجمال المتدفق, والعذب النمير, والبهجة المشرقة, والحسن المعطر, والشذى المنتشر, والإيثار المعطاء, والتحليق الموحي, والعلاج المفضي,
هؤلاء المنقذون من الغفلة, الملهمون في النفوس الحياة, الموحون في الطريق بالاتجاهات, المشعلون في الظلمة المصابيح, الواهبون في النهار الجذوات يصبحون عند وهنهم في موضع الشفقة, ويُعرضون في الطريق -العام- بنداءات المستجدين الرحمة لهم -على الملأ-؟
أي رحمة هذه التي تجرحهم؟
وأي منديل ذلك الذي سيستوعب دموعهم؟!..
إن المستجدين لهم في تظاهرة الاهتمام بهم, يؤلمونهم أكثر مما يسعدونهم,
مع أنهم يذهبون باستجدائهم من أجلهم إلى ظنهم بأن هذا الذي يفعلونه سيرضي نفوسهم الشفيفة, بينما هو يحرجهم ألف مرة, ويميتهم في بغتة,
فلئن وهن الجسد فيهم, فإن النفس لا توهن,
ولئن بهت العطاء منهم فإن الأثر باق لا يفنى..!
فهم الأغنياء بجمالهم, وعطائهم, وصبرهم, الباقون بوهن أجسادهم, وتقدم ضعفهم.
بأوشحة النور التي ألبسوها للنفوس الموحشة, والقلوب الموصدة,
وبمفاتيح الحكمة التي منحوها للعقول المغلقة, والذوات التائهة,
وبالسعادة التي أشاعوها فسائل في طرقات الناس من سهرهم, وفكرهم, وعصارة قلوبهم,
وكتلة مشاعرهم, ونهر أخيلتهم, وسعة نبضهم..
فارحموهم من ألم استجدائكم يتسلل لقلوبهم في وهنهم فيستدر دموعهم..
وأسعدوهم إن شئتم, ولكن بالنبل ذاته الذي أسعدوكم به,
فلقد قدموا السعادة للبشرية دون أن يستجديها أحد منهم, أو يطلبها..
هؤلاء المبدعون باختلاف تفاصيل جمالهم, وأشكاله. لهم أنفة الجمال, وعزة الإبداع.
وإنهم في ملكوت الكون من خلق الله تجري بهم مقاديره.
فليبق لهم الجمال, والكرامة, وإن وهنواً جريا على الطبيعة, ونواميس الفطرة.